والشهيد (١) ، والمحقّق الثاني (٢) ـ قدّس أسرارهم ـ لكمال منافرة التعليل لوجوب المضيّ ـ بأنّه من باب إرغام أنف الشيطان كي لا يعود إلى وسوسته وإيقاعه في الشكّ ـ مع التخيير فإنّ مناسبة الوجوب التعييني مع هذا التعليل في كمال الوضوح ، مضافا إلى أنّ ظاهر الوجوب المستفاد من قوله : « يمضي في صلاته » هو الوجوب التعييني ، لأنّه مقتضى إطلاق الوجوب.
وقد تقدّم منشأ قول هؤلاء الأكابر بالتخيير والجواب عنه فلا نعيد. والإنصاف أنّ ذهاب هؤلاء الأعاظم إلى التخيير عجيب.
الرابع : أنّ هذا الحكم ـ أي عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه ـ هل مختصّ بالصلاة أم يجري في سائر العبادات أيضا؟ وعلى تقدير اختصاصه بالصلاة هل يجري في مقدّماتها الخارجيّة أم يختصّ بنفس الصلاة؟
ربما يقال بعدم اختصاصه بنفس الصلاة ، بل يجري في مقدّماتها الخارجيّة كالوضوء والغسل والتيمم ، بل يجري في سائر العبادات المركبة كالحجّ وأمثاله لوجوه :
[ الوجه ] الأوّل : لدليل نفي العسر والحرج الثابت بالكتاب والسنّة ، إذ ترتيب كثير الشكّ أثر الشكّ على شكّه والاعتناء به حرج شديد عليه ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها من العبادات خصوصا في مثل الحجّ ، مثلا لو شكّ في رمي الجمرات أو في السعي أو في الطواف وكان كثير الشكّ ، فترتيب أثر الشكّ وتكرار هذه الأفعال ثانيا وثالثا ورابعا مثلا في غاية الصعوبة ، وخصوصا إذا كان شكّه ممّا يوجب إعادة العمل في السنة المقبلة مع بعد بلد الشاكّ ، فهو يقينا من الحرج المنفي في الشريعة.
وفيه : أنّ الحرج ليس مختصّا بكثير الشكّ ، بل يمكن أن يتحقّق في غير كثير الشكّ أيضا ، وعلى كلّ الحرج الشخصي الرافع للحكم الإلزامي إذا وجد وتحقّق يرفع الحكم ،
__________________
(١) « ذكري الشيعة » ص ٢٢٣.
(٢) « وسائل المحقق الكركي » ج ٢ ، ص ١٤٢.