العادية للموت ، لأنّه لا تقية في الدماء. وأما إذا أكره على إتلاف مال الغير فالضمان على المكره ـ بالكسر ـ لا على المتلف الذي هو مكره ـ بالفتح ـ لأنّ السبب هنا أقوى من المباشر ، لأنّ المباشر وإن كان فاعلا ولكن ليس بمختار.
ولذلك نقول ببطلان معاملات المكره من عقوده وإيقاعاته ، والعرف والعقلاء ينسبون الفعل إلى المكره ـ بالكسر ـ ويسندون إليه ، كما أنّه لو أمر المكره بهدم دار شخص خدّامه وغلمانه الذين يخافون من مخالفته لا ينسب هدم الدار عند العرف إلاّ إلى ذلك المكره ، والناس يقولون إنّ فلانا ـ الذي هو المكره ـ هدم دار فلان ، لأنّه أمر غلمانه بذلك.
وبناء على هذا لو أكره إنسانا على حفر البئر في الطريق ، فوقع فيها مال شخص وتلف ماله بذلك الوقوع ليس على الحافر ضمان ، بل الضمان على الآمر المكره.
إذا ظهرت لك هذه المقدّمة ، فنقول : ذكروا هاهنا فروعا كثيرة في كتبهم الفقهيّة ، واختلفوا في الحكم بالضمان وعدمه في بعض الموارد وأنّه على السبب في بعضها وعلى المباشر في موارد آخر ، ونحن نذكر جملة منها إن شاء الله تعالى وبتوفيقه :
منها : أنّه قال في الشرائع : لو ألقي صبيا في مسبعة ، أو حيوانا يضعف عن الفرار ضمن لو قتله السبع (١).
وهذا كلام حقّ لما ذكرنا من الضابط في كون الضمان على السبب دون المباشر ، وهو أن لا يكون المباشر فاعلا عاقلا ، بل يصدر عنه الفعل بدون تروّ وتفكّر في عواقبه لعدم قدرته على التروّي والتفكّر. وإن شئت عبّر عن هذا بأنّ السبب أقوى من المباشر ، كما عبّر به في الشرائع.
وبناءً على هذا يكون لهذا الفرع نظائر كثيرة تشبهها في هذه العلة ، مثلا لو أعطى سكينا بيد مجنون فجرح أو قتل ، أو فتح باب الحبس على سبع ففرس إنسانا أو
__________________
(١) « الشرائع » ج ٣ ، ص ٢٣٧.