وحاصل الكلام : أنّ قول الأمين ـ ما لم يخرج عن كونه أمينا بالخيانة ـ يسمع من دون مطالبته بالبيّنة ، لأنّه لا يخلو إمّا أن لا تكون دعوى الإتلاف في البين ولا خيانة ، فلا ضمان. وإمّا أن تكون ، فيكون الطرف مدّعيا وهو منكر ، فليس وظيفته البيّنة.
وفي كلتا الحالتين لا تجوز مطالبة البيّنة من الأمين ، لا في التلف ، ولا في الإتلاف ، فهذا وجه سماع قول الأمين.
الثانية : كبرى « المدّعي بلا معارض » وهو أنّهم يقولون بسماع قول المدّعي الذي بلا معارض ، وقبوله بغير بيّنة في الماليّات وإن لم يكن له يد عليه ، فإذا ادّعى أنّ المال الفلاني الذي لا يد لأحد عليه ـ أو ينفي صاحب اليد كونه لنفسه ولا يدّعي كونه لشخص معيّن ، بل يعترف بعدم علمه بمالكه ـ إنّه لي ، وليس هناك معارض يعارضه ، يقبل قوله ويعطي له مع يمينه ، بناء على ما ذكرنا من تماميّة هذه القاعدة.
وأمّا في غير الماليّات ـ كما أنّه لو ادّعى طهارة شيء أو نجاسته وهو ليس بمالك ولا بذي اليد عليه ، أو أنّ هذا اليوم يوم العيد وأمثال ذلك من غير الماليّات ولا معارض له ، فلا يسمع دعواه ، بل يحتاج إثباته إلى البيّنة ، أو إحدى الأمارات الشرعيّة الأخر ، وذلك من جهة أنّ عمدة مدرك سماع هذه الدعوى هي سيرة العقلاء وبناؤهم على قبول قول المدّعي الذي لا يعارضه أحد بغير البيّنة ، ولكن هذه السيرة القدر المتيقّن منها هو فيما إذا كان ما يدّعيه من الماليّات وإن لم يكن لذلك المدّعي يد عليه ، أو كان من الحقوق ، كادّعائه تولية وقف ، أو يدّعي حقّ التحجير ، أو حقّ السبق في مكان ، أو حقّا آخر ولا يعارضه أحد في هذه الدعوى.
وأمّا الإجماع الذي ادّعاه صاحب الرياض (١) وصاحب الجواهر (٢) قدسسرهما فأيضا القدر المتيقّن منه هو فيما ذكرنا من الماليّات والحقوق والارتباطات كالزوجية والنسب ، كأن
__________________
(١) « رياض المسائل » ج ٢ ، ص ٤١٣.
(٢) « جواهر الكلام » ج ٤٠ ، ص ٣٩٨.