وأمّا « المدّعي » فقيل في تعريفه وجوه :
[ الوجه ] الأوّل : هو أنّ المدّعي عبارة عمن يكون قوله مخالفا للحجّة الفعليّة وإن كان موافقا مع الحجّة غير الفعليّة ، أي كان مثلا موافقا مع الأصل ولكن هناك أمارة على خلافه ، فحيث أنّ الأمارة حاكمة على ذلك الأصل ـ لذهاب موضوعه بها تعبّدا ـ كانت الحجّة الفعليّة هي الأمارة دون الأصل ، فيكون مدّعيا بناء على هذا التعريف. مثلا لو ادّعي أنّ هذا اللحم الذي في السوق غير مذكّى ، ويريد بذلك إبطال المعاملة ، فقول هذا الشخص وإن كان مطابقا مع الأصل ـ أي أصالة عدم التذكية ـ ولكن حيث أنّ سوق المسلم ويده كذلك أمارة على التذكية ، فأصالة عدم التذكية محكومة بتلك الأمارة ، فتكون تلك الأمارة هي الحجّة الفعليّة ، فيكون قول ذلك الشخص مخالفا للحجّة الفعليّة ، أعني تلك الأمارة وإن كان موافقا مع الأصل ـ أي أصالة عدم التذكية ـ فيكون مدّعيا.
وكذلك مدّعي الفساد في باب المعاملات يكون مدّعيا ، مع أنّ قوله موافق لأصالة عدم النقل والانتقال ، وذلك لما ذكرنا من أنّ المدار في تشخيص المدّعي هو أن يكون قوله مخالفا للحجّة الفعليّة ، وإن كان مطابقا مع أصل محكوم ، أو أمارة كذلك.
وفيما ذكرنا من الفرع ـ أي دعوى الفساد في أبواب المعاملات ـ قوله : مخالف للحجّة الفعليّة ، أي أصالة الصحّة ، وإن كان موافقا لأصالة عدم النقل والانتقال.
وبناء على هذا التعريف للمدّعي ، فقد يختلف في كونه مدّعيا أو منكرا لاختلاف كلامه ، مثلا لو قال في مقام دعوى الطرف دينا عليه ، أو عينا عنده أمانة أو غصبا : ليس لك في ذمّتي أو عندي شيء ، يكون منكرا ، لكون قوله موافقا مع الحجّة الفعليّة ، أي أصالة عدم اشتغال ذمّته له بشيء ، وكذلك في ادّعاء العين ، الأصل عدم كونه عنده.
وأمّا لو قال في الأوّل : أدّيته ، وفي الثاني : رددته ، يكون مدّعيا ، لأنّ قوله يكون