السلب الكلّي الذي يدّعيه الخصم.
إن قلت : إنّ حديث رفع القلم يخصّص العمومات بغير الصبيّ من العاملين الممتثلين لتلك العبادات ، لأنّه إذا كان مفاد الحديث رفع قلم التكليف مطلقا ، سواء أكان وجوبا أو استحبابا ، فيرفع استحقاق الصبيّ غير البالغ للأجر والثواب من باب نفي اللازم بنفي الملزوم.
فجوابه : أنّ مفاد حديث رفع القلم ليس رفع التكليف مطلقا كما توهّم ، بل مفاده وظاهره رفع خصوص الإلزام والوجوب بالبيان المتقدّم.
الرابع : كمال الاستبعاد أن لا يستحقّ غير البالغ القريب إلى وصوله إلى البلوغ بزمان يسير كيوم مثلا أو أقلّ ، مع إتيانه بالصوم مثلا في نهار طويل من أيّام شهر رمضان وفي حرّ شديد مع كمال الإخلاص ، وهو يتحمّل الأذى قربة إلى الله تعالى ، أو يمشي إلى الحجّ مثل هذا الصبيّ مخلصا لله تعالى راجلا مع كمال المشقّة ، ثمَّ يقال إنّ هذا لا يستحقّ شيئا من الأجر والثواب لأنّه لم يصل إلى حدّ البلوغ.
فالإنصاف أنّ القول بعدم استحقاق مثل هذا الولد في هذا العمر مع أنّه في كمال الشعور والإدراك ـ خصوصا إذا كان من أهل الفضل والتقوى ، بل ربما يتّفق أن يكون من الفقهاء ، كما يقال في حقّ بعض الفقهاء الكبار قدسسره إنّه صار فقيها وبلغ إلى درجة الاجتهاد قبل أن يصير بالغا ـ خلاف الإنصاف ، بل خلاف الوجدان ، وكيف يمكن أن يقال مثل هذا ، مع أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « في كلّ كبد حرى أجر » (١).
هذا ، ولكن أنت خبير بأنّ هذا الوجه مع هذا التفصيل المذكور بالخطابة أشبه من كونه دليلا فقهيّا يكون مدركا للفتوى ، وذلك من جهة أنّه لو صدر عمل أشقّ ممّا ذكرنا من أكبر العلماء ، وكان إتيانه بعنوان أنّه من الدين بدون دليل عنده أنّه من
__________________
(١) « مسند أبي يعلى الموصلي » ج ٣ ، ص ١٣٧ ، ح ١٥٦٨ ، « المعجم الكبير للطبراني » ج ٢٠ ، ص ٣٢٣ ، ح ٧٦٣ ، « السنن الكبرى للبيهقي » ج ٤ ، ص ١٨٦ ، باب ما ورد في سقي الماء.