يده عليه بدون إذن صاحبه ، إلاّ أنّه كان بقصد الإحسان وحفظ ذلك الحيوان عن التلف ، وفي الواقع كان إحسانا من جهة حفظه عن السباع ، لا أنّه صرف قصد الإحسان ، وإنّما وقع عليه التلف بجهة أخرى غير جهة إحسانه ، وهو انهدام البناء من باب الاتّفاق.
فتغريمه في مثل هذه الصورة قبيح ، فيستكشف من هذا الحكم العقلي ملاك حرمة تغريم المحسن وتضمينه في الفعل الذي صدر عنه بقصد الإحسان وكان واقعا إحسانا ، وإن تضرّر صاحب الحيوان من ناحية أخرى وتلف ماله.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب حكم العقل بقبح تغريم المحسن وتضمينه.
ولكن أنت خبير بأنّ هذا صرف استحسان ، وإثبات الحكم الشرعي أو نفيه عن موضوعه لا يجوز بالظنون الاستحسانيّة ، بل لا بدّ من قيام دليل وحجّة ثبت حجّيته بالحجّة القطعيّة على ثبوته أو نفيه ، فلو وجد سبب الضمان من إتلاف ، أو يد غير مأذونه ، أو تعدّ ، أو تفريط من الأمين ، أو غير ذلك من أسباب الضمان لا يصحّ الحكم بعدم الضمان بصرف هذا الاستحسان.
الثالث : من أدلّة هذه القاعدة هو الإجماع ، فإنّ الفقهاء يستدلّون بها في كتبهم وفتاويهم على عدم ضمان المحسن من نكير منهم ، مثلا إذا كان المال الذي أودعه المودع عند شخص ، وكان ذلك الشخص غيّر مكان الوديعة لاعتقاده أنّه أحفظ ، وكان ذلك المكان واقعا أحفظ ، وكانت الوديعة من الأحجار الكريمة فانكسر ، فلا ضمان على الودعي ، لأنّه محسن في هذا النقل ، وإن كان بغير إذن المودع.
حتّى قال بعضهم : أنّه يجوز النقل إلى مكان أحرز ولو مع نهي المالك المودع عن النقل ، بل ادّعى الإجماع على عدم الضمان فيما نقل مع خوف التلف ، معلّلا بأنّه محسن في هذا الفعل و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ).
والحاصل : أنّ استدلالهم على عدم الضمان بهذه القاعدة وإن كان من المسلّمات ،