ثمَّ إنّ هذه الرواية تشمل المستحبّات كما تشمل الواجبات ، فلو كان في صلاة الليل ـ مثلا ـ بعض أذكارها المستحبّة ميسور له دون البعض الآخر ، فبتعذّر ذلك البعض لا يسقط البعض الميسور عن موضوعيّته للاستحباب.
وحيث أنّ السقوط عبارة عن ارتفاع حكم المعسور ، إذ لا معنى لارتفاع نفس المعسور ، فنفي السقوط عبارة عن عدم ارتفاع حكم الميسور ـ أي ثبوت حكمه ـ لأنّ النفي في النفي إثبات ، فيكون معنى الرواية أنّ حكم الميسور من كلّ شيء باق ، ولا يسقط بسقوط حكم المعسور ، فإن كان حكمه الاستحباب فاستحبابه باق ، وإن كان الوجوب فوجوبه باق.
وأمّا ما قيل : من أنّ المنفي إن كان هو اللزوم فلا تشمل الرواية المستحبّات ، لأنّ الأجزاء الميسورة من المستحبّات لا لزوم لها كي يحكم الشارع بعدم ارتفاعها ، فتكون الرواية مختصّة بالواجبات ، وإن كان المنفي هو مطلق المطلوبيّة والرجحان ، فلا يثبت بها لزوم الإتيان بالميسور ، ويدلّ على أنّ الإتيان به راجح فقط.
وهذا خلاف ما يراد من الرواية ، لأنّ المقصود إثبات وجوب الباقي بعد تعذّر بعض أجزاء المركّب إن كان واجبا ، وبناء على التعميم استحباب الباقي بعد تعذّر البعض إن كان المركّب مستحبّا فلا بدّ وأن نقول بأنّ المنفي هو ارتفاع الوجوب عن الباقي بعد تعذّر بعض أجزاء المركّب ، فتكون الرواية مختصّة بالواجبات ولا تشمل المستحبّات.
ففيه : أنّ المنفي هو سقوط موضوعيّة الميسور لحكمه السابق قبل حدوث التعذّر ، أو موضوعيّته لحكمه على تقدير عدم تعذّر بعض الأجزاء ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك الحكم على تقدير عدم تعذّر بعض الأجزاء هو الاستحباب أو الوجوب. وقد بيّنّا في كتابنا « المنتهى » أنّ الموضوعيّة للحكم الشرعي من الأحكام الوضعيّة القابلة للجعل التشريعي ، فيكون أمر وضعها ورفعها بيد الشارع.