وخلاصة الكلام : أنّ مفاد هذه القاعدة ففي السبيل مطلقا على كلّ واحد من أفراد المحسنين ، فهذه قضيّة حقيقيّة تنحلّ إلى قضايا متعدّدة ، مثل قوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (١) حيث أنّه تنحلّ إلى قضايا متعدّدة بعدد أفراد الموضوع ، أي اجتنبوا عن هذا الخمر وذاك وهكذا.
وحاصل معناها : أنّ كلّ ما وجد في الخارج وصدق عليه أنّه خمر يجب الاجتناب عنه ، وهذا هو معنى الانحلال ، وفيما نحن فيه أيضا معنى الانحلال هو أنّ كلّ من وجد في الخارج وكان محسنا فلا سبيل عليه ، ولا شك أنّ الضمان والتغريم سبيل عليه ، فيرجع المعنى إلى أنّه لا ضمان ولا غرامة في الفعل الذي صدر عن كلّ محسن بجهة الإحسان وكان في الواقع إحسانا ، لا ما تخيّل أنّه إحسان مع أنّه ليس بإحسان.
وبعبارة أخرى : نفي السبيل على المحسن باعتبار إحسانه ، فإنّ تعليق الحكم على الوصف وجعله موضوعا مشعر بهذا المعنى ، فيفيد أنّ الفعل الذي صدر بعنوان الإحسان وكان إحسانا واقعا ، ولكن من باب الاتّفاق ترتّب عليه ما يوجب الضمان لا يضمن ولا يغرم ، لأنّه محسن.
ثمَّ إنّه لا فرق في صدق الإحسان بين أن يكون فعل المحسن لجلب المنفعة لذلك الذي يريد الإحسان إليه ، أو يكون لدفع المضرّة عنه ، فكلاهما إحسان ، فكما أنّ جلب المنفعة له إحسان إليه ، كذلك دفع الضرر عن نفسه أو عن ماله إحسان إليه ، وربما يكون صدق الإحسان على دفع الضرر في بعض المصاديق والموارد أولى بنظر العرف من صدقه على جلب المنفعة ، خصوصا إذا كان دفع الضرر لحفظ النفس عن الهلاك ، فأيّ إحسان أعظم من هذا.
__________________
(١) المائدة (٥) : ٩٠.