والحاصل : أنّ الفقيه المتتبّع إذا نظر في تلك الأدلّة مع كثرتها يتيقّن بشمولها لغير البالغين مثل البالغين ، خصوصا إذا كان غير البالغ واجدا لجميع شرائط التكليف ما عدى مقدار قليل من الزمان كيوم ، بل وإن كان كشهر باقيا إلى أن يصير بالغا بحسب العمر.
ولا شكّ أنّ دعوى انصراف تلك الأدلّة عن مثل هذا الصبي الذي لم يبق إلى بلوغه بحسب العمر إلاّ يوما ، لا يخلو عن مجازفة ، فإذا شمل مثل هذا الفرض يتمّ في سائر الموارد بعدم القول بالفصل ، ولا مخصّص ولا مقيّد في البين لهذه العمومات والإطلاقات بعد الفراغ عن عدم انصرافها إلى خصوص البالغين ، عدا ما يتخيّل من قول عليّ عليهالسلام : « أما علمت رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ » (١).
وبيانه : أنّ قوله عليهالسلام : « رفع القلم عن الصبيّ » معناه أنّ الصبيّ ليس عليه جعل من قبل الشارع ، وكذلك الحال في المجنون حتّى يفيق ، والنائم حتّى يستيقظ ، فأهملهم كما أهمل الحيوانات ، ولم يكتب عليهم شيئا ، لا وضعا ولا تكليفا ، فالمنفيّ في هذا الحديث الشريف هو قلم جعل الأحكام مطلقا ، سواء أكانت الأحكام وضعيّة أم تكليفيّة ، فهذا الحديث الشريف تخصّص به الأدلّة العامّة ، أو تقيّد به الإطلاقات الواردة في الأبواب المختلفة.
وفيه أوّلا : أنّ الظاهر من هذه العبارة ـ التي في مقام الامتنان والتسهيل ـ هو رفع المؤاخذة عن هذه الثلاثة ، لعدم التفاهم إلى المصالح والمفاسد ، أمّا المجنون لعدم عقله
__________________
٢ ، ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٤٢١ ، ح ١٣٣٣ ، (٢٢) باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح ٦ ، « وكذلك ، ج ١ ، ص ٢٦٠ ، ح ٧٥٦ ، (١٢) باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ٤٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٣٤ ، أبواب النجاسات ، باب ٢٦ ، ح ١ و ٣.
(١) « الخصال » ص ٤٠ و ١٧٥ ، باب الثلاثة ، ح ٤٠ و ٢٣٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٣٢ ، أبواب مقدّمة العبادات ، باب ٤ ، ح ١١.