أو يقال : بأنّه من باب استثناء هذا المقدار من المنافع مدّة حياة المتولي عن الوقف ، فلا إشكال من ناحية الوقف على النفس أصلا.
وأمّا من ناحية الاستثناء ، فالظاهر أنّه أيضا لا إشكال فيه ، لأنّ مرجع استثناء هذا المقدار في تلك المدّة عدم تعلّق الوقف بهذا المقدار من ثمرة الوقف في مدّة حياة ذلك المتولّي. ولا مانع من هذا لا عقلا ولا شرعا ، بل لو استثنى في ضمن إجراء الصيغة مقدار مئونته ما دام حيّا من منافع الوقف ، لا إشكال فيه ، لأنّ الوقف تعلّق بما عدا هذا المقدار.
ولذلك يجوز وقف العين باعتبار بعض منافعها ، ويبقى الباقي في ملك الواقف ، مثلا يجوز وقف الشاة لأن يعطي لبنها للأطفال الرضع ، ويبقى سائر منافعها للواقف ، وكذلك البستان باعتبار ثمرة نخيلها ، فتبقى منافعها الأخر للواقف.
وصحّة هذا القسم من الوقف ـ بناء على كونه عبارة عن صرف حبس الأصل عن التقلّبات في عالم التشريع ، وجعل ثمرته للموقوف عليهم ـ لا إشكال فيه ، لأنّ هذه الاستثناءات تدلّ على أنّ الثمرة المجعولة للموقوف عليهم ما عدا هذا المقدار ، كما هو شأن كلّ استثناء في كلّ مقام ، وهو أنّ حكم المستثنى منه يشمل ما عدا مقدار المستثنى.
وأمّا بناء على أنّه عبارة عن تمليك الموقوف عليهم للعين الموقوفة ، ربما يتوهّم : أنّه كيف يمكن أن تكون عين واحدة ملكا لشخصين باعتبارين ، فباعتبار بعض المنافع تكون ملكا للموقوف عليهم ، وباعتبار بعض آخر تكون ملكا للواقف.
ولكن جوابه : أنّه يمكن أن يكون الأصل بتمامه ملكا للموقوف عليهم فاعتبار ذلك البعض من المنافع ، ويكون من قبيل ما لو آجر الملك قبل الوقف باعتبار بعض الثمرة ، كما لو آجر البستان باعتبار بعض ثمرته ، فأوقفه باعتبار بعض الآخر ، فيصير البستان ملكا للموقوف عليهم ، ولكن مجرّدا عن بعض المنافع. وأمّا لو كان مجرّدا عن جميع المنافع دائما أبدا فاعتبار التمليك لغو.