وأمّا قوله عليهالسلام : « صدقة لا تباع » في طائفة من الأخبار المتقدّمة ، (١) فالظاهر أنّ المراد منه أنّ الوقف ليس على حدّ سائر الأملاك المطلقة ، بل لا يجوز بيعه وشراؤه إلاّ بعد دليل على الجواز في بعض الحالات الطارئة عليه ، فيكون مخصّصا لأدلّة عدم جواز بيعه إن كان لها عموم ، ومقيّدا إن كان لها إطلاق.
ويكون ذلك الدليل الدالّ على الجواز حاكما على أصالة عدم جواز البيع ، أو استصحاب المنع الذي كان قبل طروّ تلك الحالة ، على تقدير جريانه وتماميّة أركانه ، فيدور الأمر بين أحد هذه الأمور الثلاثة :
أحدها : إبقاؤها حتّى تتلف. وهذا ممّا يأباه الذوق الفقهي والفهم السليم.
والثاني : بيعه وإعطاء ثمنه للموجودين. وهذا تضييع لحقّ البطون اللاحقة.
الثالث : تبديله بعين أخرى تكون ذات منفعة جارية كالمبدّل ، فتكون صدقة جارية كالأصل ، وربما يكون في البدل نفعا أكثر من الأصل.
ويمكن أن يوجّه التبديل ، مضافا إلى ما ذكرنا أنّ الواقف أنشأ حبس العين بجهاتها الثلاث لجريان منافعها على الموقوف عليهم ، والمراد من الجهات الثلاث : الخصوصيّات ، والنوعيّة ، والماليّة للعين الموقوفة. وبعد تعذّر إبقاؤها شرعا بجهاتها الثلاث لكونها لغوا لا فائدة فيه ، ولا يترتّب عليه الأثر المقصود من وقفها ، وإمكان إبقائها بجهتين ، أي : الماليّة ، والجهات النوعيّة ، كما إذا كان الموقوف دارا فخربت ، وهي في مكان لا ينتفع بها أصلا ، ولكن أرضها واقعة بجنب دار أو دكّان أو خان يشتريها ربّ تلك الدار أو ذلك الدكّان أو الخان بأعلى القيم ، فيشتري دارا أخرى بثمن تلك الخربة دارا أوسع وأحسن منه بعشر مرّات ، فيمكن إبقاء حبس ماليّة تلك الدار الموقوفة مع جهاتها النوعيّة ، فلا وجه لعدم الالتزام بالإبقاء والقول بذهابه من البين.
ثمَّ إنّهم ذكروا ها هنا احتمالات وأقوال لا يهمّنا ذكرها بعد ما عرفت ممّا هو
__________________
(١) تقدم راجع ص ٢٣٢ ، هامش رقم (٢).