الصورة الثالثة : لو زال العنوان الذي وقفه الواقف بذلك العنوان ، كالحمّام والبستان ، فوقف الأوّل لأن يغتسل فيه الزوّار أو الطلاّب مثلا ، والثاني لأن ينتفع بثمرته الفقراء ، فخربا وصارا عرصتين ، ولكن يمكن أن ينتفع الموقوف عليهم بهما بعد خرابهما وزوال عنوانهما بمنافع أخر أكثر من الأوّل أو ما يساويه.
فقال جماعة بجواز بيعهما بعد زوال عنوانهما ، لأنّ الواقف وقف الحمّام أو البستان ، والمفروض أنّ ما هو الموجود ليس بحمّام ولا ببستان ، فلم يبق ما هو الموقوف كي يقال بوقفيّته.
وأشكل عليه : بأنّ تعلّق الوقف بهذه العناوين مثل تعلّق البيع والهبة بها ، فكما أنّه لو باع الحمّام أو البستان ، أو وهبهما لا يخرجان عن ملك المشتري أو الموهوب له بزوال عنوانيهما وصيرورتهما عرصتين ، فكذلك لا يخرجان عن الوقفيّة بزوال العنوانين.
وما قيل في الفرق : بأنّ الحمّام أو البستان في البيع والهبة مورد ، وفي الوقف عنوان ، لا يخلو عن مجازفة.
اللهمّ إلاّ أن يكون مراد هذا القائل أنّ في باب البيع والهبة يملك الأرض مع بنائها للمشتري والموهوب له ، ولذلك لو خربا وانهدما لا تخرج أرضهما عن ملكه ، بخلاف الواقف فإنّه يحبس هذا العنوان لتسبيل منفعته.
فعمدة نظره إلى تسبيل منفعة هذا العنوان ، فإذا زال فلا يبقى موضوع للحبس ولا لتسبيل منفعته ، لأنّه بناء على ما ذكرنا يكون مراد الواقف ـ وما أنشأه ـ هو تسبيل منفعة هذا العنوان ، لا منفعة هذه الأرض التي بنى عليها هذا العنوان ، فإذا وقف دارا على أن يسكن فيه إمام المسجد الفلاني مثلا ، فانهدمت وصارت عرصة لا بناء عليها ، فإنّه وإن كان من الممكن أن تكون لتلك الأرض منافع كثيرة ، يجعلها مخزن للبعض الأجناس ، أو محلاّ للسيّارات ، ولكن هذه المنافع لم ينشأ نسبتها من