في رزق العباد ، فأجابهم الله تعالى بقوله ( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ) أي من التوسعة والتضييق حسب المصالح التي يراها.
فظهر أنّ اليد كناية عن الاستيلاء خارجا وتكوينا ، أو عرفا ، أو شرعا واعتبارا.
وقد تكون كناية عن المستولي المتّصف بصفة الاستيلاء.
وفيما نحن فيه بهذا المعنى الأخير ، فقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وعلى اليد ما أخذت » ظاهر في أنّ المال الذي أخذه إنسان واستولى عليه يكون على تلك اليد ، أي يكون مستعليا ومستقرّا على ذلك المستولي باعتبار استيلائه على ذلك المال ، وهذا معنى عرفي لهذه العبارة.
ثمَّ إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد أن حكم بأنّ الذي أخذه المستولي يكون مستقرّا ومستعليا عليه ، غيّاه بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « حتّى تؤدّيه » أي هذا الاستعلاء والاستقرار مغيى بأداء ما أخذ ، بمعنى أنّه مستمرّ إلى حصول تلك الغاية ، أي أداء ما أخذ ولا يرتفع إلاّ به.
إذا ظهر ذلك ، فنقول : هذا معنى الضمان عرفا ، لأنّ معنى ضمان الشيء وإن عرّفوه بتعاريف متعددة ، ولكن العرف لا يفهم من لفظ « الضمان » إلاّ استقرار الشيء وثبوته في عالم الاعتبار في عهدة الضامن ، فليس الضمان أمرا خارجيّا تكوينيّا ، أي ليس من مقولات العشر ، إذ ليس له ما بحذاء في الخارج ، بل هو أمر اعتباري يعتبره الشرع أو العقلاء ، أو كلاهما معا.
فإذا كان الأمر كذلك ، فذات الموجود الخارجي بوجوده الخارجي لا يمكن أن يكون في الذمّة والعهدة ، لأنّ الموجود الخارجي وعاء وجوده عالم الخارج ، لا عالم الاعتبار ، إذ ليس عالم الاعتبار إلاّ عبارة عن الموجودات الاعتباريّة التي لا وجود لها إلاّ في عالم الاعتبار ، فلا يمكن أن يكون الموجود الخارجي موجودا في عالم الاعتبار ، وإلاّ يلزم انقلاب الخارج اعتبارا ، وذلك كما أنّ الموجود الخارجي لا يمكن أن يكون موجودا في الذهن وإلاّ يلزم انقلاب الخارج ذهنا ، وهو محال.