بلاد العرب ، وهو أيضا غير مفيد ، لأن عرفهم في هذا الزمان غير معلوم مع أنه لو كان مخالفا للغة لم يصلح مرجعا ، وكذا عرفهم في زمان الشرع.
وبالجملة لا يتحصل لنا اليوم من الخبائث معنى منضبطا يرجع اليه ، فيجب الاقتصار فيها على ما علم صدقها عليه قطعا ، كفضلة الإنسان ، بل فضلة كل ما لا يؤكل لحمه من الفضلات التحتية المنتنة ، وكالميتات المتعفنة ونحوها ، والرجوع في البواقي إلى الأصل الأول ، ولا يضر عدم حجية بعض العمومات المبيحة للأشياء لتخصيصها بالمجمل ، إذ الأصل العقلي والشرعي في حلية ما لم يعلم حرمته كاف في المطلوب.
وربما يؤيد ذلك بأن عقاقير الأدوية المركبة تنفر عنها غالب الطباع وتشمئز منها أكثر النفوس مع أنها ليست خبيثة عرفا ولا محرمة شرعا ، بل ربما كان عدم الاعتياد سببا في تنفر الطبع ، كما في الجراد الذي تنفر عنه طباع العجم دون العرب ، وكالحية والفأرة والضب ونحوها التي تنفر عنها طباع أهل المدن دون أهل البادية ، وربما كانت الحرمة الشرعية سببا في ذلك كالخنزير الذي يستطيبه النصارى دون المسلمين.
إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع ، ضرورة كون المراد من الخبيث الذي هو عنوان التحريم هو ما يستخبثه الإنسان بطبعه السليم من آفة من حيث ذاته وينفر منه ويشمئز منه ، من غير فرق بين العرب والعجم وأهل المدن والبادية وزمان اليسار وغيره ، إذ هو معنى قائم في المستخبث لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والناس ، ويقابله الطيب الذي هو كذلك ، فلا عبرة بنفرة بعض الطباع ، لعدم تعود أو لعدم ملائمة لخصوص ذلك الطبع أو لغير ذلك مما يكون سببا للنفرة لا من حيث الطبع الإنساني المشترك بين غالب أفراده.
أو يقال : إن المراد بيان سهولة هذه الملة وسماحتها وعدم الحرج