وعدم حصول الافتراق ، وكذلك ثلاثة أيّام في خيار الحيوان ليس من باب تخصيص العموم ، كي يقال بأنّه مستهجن ، بل صرف تقييد إطلاق ، فلا يأتي هذا الكلام ولا مجال للإشكال به على التمسّك بهذا العموم.
وذلك من جهة أنّ الإطلاق وشمول الحكم لجميع الحالات والخصوصيّات الواردة على المطلق ليس بالوضع ، كما هو مذكور في محلّه ، وإنّما الشمول لدليل الحكمة وبمقدّماتها ، ففي كلّ مورد وبالنسبة إلى أيّ خصوصيّة جاء دليل على التقييد ، يبطل الإطلاق بالنسبة إلى تلك الخصوصيّة ويرتفع من البين ، فلو قيّد المطلق بحيث لا يبقى له إلاّ فرد واحد لا يكون مستهجنا.
بخلاف العامّ فإنّه موضوع للعموم ، فيكون ظاهره العموم ، خصوصا إذا كان المخصّص منفصلا ، فبعد تخصيص الأكثر إذا تبيّن أنّ مراده من هذا العموم ليس إلاّ أفراد قليلة ، فألقى طرفه أنّ مطلوبه العموم ، مع أنّه لم يرد إلاّ بعضه الأقلّ ، فيكون مثل هذا الكلام ركيكا ومستهجنا.
وخلاصة الكلام : أنّ العامّ كاشف عن إرادة العموم بالوضع ، وليس ظهوره معلّقا ، نعم إذا جاء المخصّص حيث أنّه أكشف ، يكون مقدّما على العموم. وأمّا ظهور المطلق في الإطلاق فمعلّق على عدم البيان ، فإذا جاء البيان لا يبقى موضوع للإطلاق.
فتقديم ظهور الخاصّ على ظهور العامّ من باب حكومة أصالة الظهور في طرفه على أصالة الظهور في طرف العامّ ، وأمّا التقييد في باب الإطلاق فهو رافع لموضوع ظهور الإطلاق حقيقة وتكوينا ، فكأنّه من قبيل الورود.
وأيضا من الأوّل : ـ أي الآيات ـ قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (١).
__________________
(١) النساء (٤) : ٢٩.