وثانيا : أنّ عقد المستثنى منه عامّ كسائر العمومات الشرعيّة قابل للتخصيص ، فمفاده وإن كان عدم جواز التصرّف في مال الغير مطلقا ، ولم يخرج في ظاهر الآية عن هذا العموم إلاّ كون الأكل من باب التجارة عن تراض ، ولكن يمكن تخصيصه بدليل آخر أيضا كسائر العمومات التي ترد عليها مخصّصات كثيرة ومتعدّدة ، ما لم تصل إلى حدّ تخصيص الأكثر ، فهاهنا أيضا خصّص العامّ بدليل جواز التصرّف بإباحة المالك.
وثالثا : ليس مورد إباحة المالك من الأكل بالباطل ، لا في نظر العرف وهو واضح ، ولا في نظر الشرع ؛ لأنّ الممنوع والمنهيّ في نظر الشرع هو أكل مال الغير من غير إذنه وبدون طيب نفسه ، وأمّا مع أحدهما فلا يرى الأكل باطلا ، ففي مورد الإباحة بل في كلّ مورد صدر الإذن من قبل الشارع بجواز التصرّف فيه ، ليس من الأكل بالباطل ، لا في نظره ولا في نظر العرف ، فلا يشمله هذا العامّ.
ورابعا : يظهر من الآية المقابلة بين الأكل بالباطل وكونه عن تجارة مع تراضى الطرفين بطور المنفصلة المانعة الخلوّ ، بمعنى أنّ الأكل لمال الغير لا يخلو من أحد هذين الأمرين : إمّا يكون بوجه غير شرعي وباطلا ، وإمّا أن يكون من باب التجارة عن تراض ، ولا ريب في أنّ موارد صدور الإذن من الشارع بجواز الأكل والتصرّف ، أو المالك كذلك ليس بوجه غير شرعيّ ، ولا يصدق عليها أيضا أنّها تجارة عن تراض.
فلا بدّ من حمل الآية على معنى يلتئم مع هذا الحصر ، وعدم خلوّ الأكل عن أحد هذين ، أي كونه إمّا باطلا أو يكون تجارة عن تراض ، وهو أن يقال :
إنّ المراد منها أنّ هذه المعاملات والمعاوضات والمبادلات التي تقع بينكم لا يخلو من أحد أمرين : إمّا باطل ويكون بوجه غير شرعيّ ، فهذا القسم حرام ، وليس لكم ارتكابه ويجب الاجتناب عنه ، وإمّا أن يكون تجارة عن تراض ، وهذا القسم لا مانع من ارتكابه بل ندب إليه الشرع. وأمّا الحرمة في القسم الأوّل فهل هي وضعي أم تكليفي؟ فبحث آخر ، وإن كان الظاهر منها الوضعيّ ، بقرينة كلمة الباطل