الأوّل : لا فرق في مشروعيّة التقيّة بين أن يكون من يتّقيه من المخالفين أو من غيرهم ؛ وذلك من جهة وحدة المناط والأدلّة فيهما ، لأنّ الدليل على مشروعيّة التقيّة إمّا قاعدة الضرر أو الحرج ، ومعلوم أنّ كون امتثال الواجب موجبا للضرر أو الحرج لا فرق بين أن يكون الضرر والحرج من ناحية المخالفين ، أو من ناحية غيرهم من الطوائف المسلمة ، أو من ناحية الكفّار ؛ لأنّ مفاد دليل نفي الضرر والحرج هو أنّ الحكم الذي يأتي من ناحيته الضرر أو الحرج منفيّ وغير مجعول في الإسلام.
وذلك لما حقّقنا في محلّه أنّ دليل نفي الضرر والحرج حاكم على أدلّة الأحكام الأوّليّة بالحكومة الواقعيّة في جانب المحمول. والمسألة نقّحناها في قاعدتي اللاضرر واللاحرج مفصلا.
وأمّا الآيات كقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) (١) ، وقوله تعالى ( إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٢) وأمثال ذلك ، فلا فرق بين كون من يتقى منه من الفرق المسلمة ، أو كان من الكفّار.
وأمّا مفاد الروايات فهو مطلق من يخاف من ضرره ؛ لأنّه قد تقدّم أن التقيّة هي الوقاية ، وأصلها « وقيّة » كالوصيّة ؛ فهو الاتّقاء ، سواء كان من يتّقى منه كافرا أو مسلما.
وأمّا حكم العقل بلزوم حفظ النفس عن الهلكة ، فمعلوم أنّه لا فرق بين أنّ يكون من يخاف منه على نفسه أو عرضه أو ماله في نظر العقل من الفرق المسلمة أو الكافرة.
نعم الآيات الواردة في حكم التقيّة غالبا تكون في مورد الكفّار ، كما أنّ الأخبار الواردة في هذا الموضوع غالبا تكون في مورد الخوف من السلاطين الجائرة أو ولا تهم ، ولكن العبرة بعموم الدليل ، وخصوصيّة المورد لا توجب تخصيص الدليل ، كما
__________________
(١) آل عمران (٣) : ٢٨.
(٢) النحل (١٦) : ١٠٦.