بالذات ، ويمكن بذلك دفع الأوّل أيضا ، كما لا يخفى.
واعلم أنّ أصل هذا الدليل شبهة حكاها الإمام في المحصّل (١) ولم يجب عنها ومحصولها : أنّ قول المتكلّمين : القادر هو الذي يجب أن يكون متردّدا بين الفعل والترك ، إنّما يصحّ لو كان الفعل والترك مقدورين له ، لكنّ الترك محال أن يكون مقدورا ؛ لأنّ الترك عدم والعدم نفي ، ولا فرق بين قولنا : لم يؤثّر أثرا ، وبين قولنا : أثّر تأثيرا عدميا. ولأنّ قولنا : « ما أوجد » أنّه بقي على العدم الأصلي ، وإذا كان العدم الحالي هو العدم الذي كان ، استحال استناده إلى القادر ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال ، فثبت أنّ الترك غير مقدور ، وإذا كان كذلك استحال أن يقال : إنّ القادر هو الذي يكون متردّدا بين الفعل والترك.
وأجاب عنه المصنّف في النقد (٢) بأن قال : لم لا يجوز أن يكون في الوجود حقيقة متمكّنة من أن يفعل الفعل في الثاني ، ومن أن لا يفعل الفعل في الثاني؟
فأمّا الإشكال الأوّل ـ وهو قوله : لا فرق بين قولنا : لم يؤثّر ، وبين قولنا : أثّر ـ فليس بلازم ؛ لأنّ بينهما فرقا معقولا كالفرق بين قولنا : لم يعلم وبين قولنا : علم لا ، فإنّا نعلم بالضرورة العدم المقيّد والعدم المطلق ، وكلاهما عدم ، وليس مفهوم قولنا : لا يعلم هو مفهوم قولنا : علم العدم ؛ لأنّ قولنا : لا يعلم قضيّة صادقة على الجماد والمعدوم وكلّ ما لا يعلم ، وقولنا : يعلم العدم لا يصدق على ذلك.
وكذلك يعقل الفرق بين قولنا : لا يجب وبين قولنا : يجب لا ؛ فإنّ الجسم لا يجب وجوده وهو قضيّة صادقة ، ولا تصدق الأخرى وهي قولنا : يجب لا وجوده ؛ لأنّه لو وجب « لا وجوده » ، لما وجدت الأجسام.
وأمّا الإشكال الثاني ـ وهو قولنا : ما أوجد معناه أنّه بقي على العدم الأصليّ ـ فالجواب عنه أنّ هذا الكلام إمّا أن يفرض في البارئ تعالى ، أو فينا.
__________________
(١) « نقد المحصّل » : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.
(٢) « نقد المحصّل » : ٢٧٦.