فإن فرض في البارئ تعالى ، فإمّا أن يفرض فيه قبل أن خلق العالم والزمان ، أو بعد أن خلق العالم والزمان ، فإن فرض قبل الخلق ، فليس قبل خلق العالم أمر يستمرّ ويتصرّم أوّلا فأوّلا ليصدق عليه أنّه كاستمرار بقاء الجسم ودوامه ، فكما أنّ الاستمرار الوجودي لا يتعلّق به القدرة ، فكذلك الاستمرار العدميّ ، فقد بطل على هذا الفرض ما ابتنى عليه الإشكال.
وإن فرض الكلام فينا ، أو في البارئ تعالى بعد خلق العالم والزمان ، فالجواب أنّ العدم مستمرّ بحسب استمرار الزمان حالا فحالا ، ونحن لا نقول : إنّه متمكّن من العدم الحالي ، كما لا نقول في طرف الوجود : إنّه متمكّن من الوجود الحالي ، بل كما قلنا في طرف الوجود : إنّه متمكّن الآن من الإيجاد في الثاني ، كذلك نقول في طرف العدم : إنّه الآن متمكّن من أن لا يوجد في الثاني ، وعدم الفعل في الثاني ليس هو العدم الحاصل الآن ليلزم من قولنا : « إنّه متمكّن منه » أن نقول بتحصيل الحاصل ، بل هو عدم غير العدم الحالي ، فقد بان أنّ الإشكال مندفع على كلا الفرضين ، هذا.
ثمّ إنّ الإمام حكى شبهة أخرى (١) ، ومحصولها : أنّ البارئ لو كان قادرا لكانت قادريّته إمّا أن تكون أزليّة ، أو لا تكون.
والأوّل محال ؛ لأنّ التمكّن من التأثير يستدعي صحّة الأثر لكن لا صحّة في الأزل ؛ لأنّ الأزل عبارة عن نفي الأوّليّة ، والحادث ما يكون مسبوقا بغيره ، والجمع بينهما محال.
والثاني أيضا محال ؛ لأنّ قادريّته إذا لم تكن أزليّة ، كانت حادثة ، فافتقرت إلى مؤثّر ، فإن كان المؤثّر مختارا ، عاد البحث كما كان. وإن كان موجبا ، كان المبدأ الأوّل موجبا.
__________________
(١) راجع « المحصّل » : ٣٧٨ ـ ٣٨٠.