والثاني : عدم ضدّ الغاية ، أعني الجهل المركّب ؛ فإنّه صارف عن النظر وعن أثره.
وقد يزاد شرط آخر وهو حضور الغاية ـ أعني الشعور بالمطلوب ـ لئلاّ يلزم طلب المجهول مطلقا. وهو داخل فيما ذكرنا.
ثمّ اعلم أنّ العلم ينقسم بقسمة أخرى إلى قسمين :
الأوّل : الحصوليّ الذي يحصل بحصول المعلوم بأشباحه لا بماهيّته في العالم ، كعلمنا بالمبصرات ونحوها.
الثاني : الحضوريّ الذي يحصل بحضور المعلوم عند العالم حقيقة ، كعلمنا بمشاهداتنا ، أو حكما بمعنى عدم كون المعلوم غائبا عن العالم ، كعلمنا بأنفسنا.
وقد يحصل بحضور علّة المعلوم عند العالم حقيقة ، أو حكما كعلمنا بآثار النار ، وعلمنا بآثار أنفسنا قبل وجودها ، ولا يتصوّر الأوّل في الواجب ؛ لامتناع كونه محلاّ للحوادث ونحوها ، ولهذا قال بعض المحقّقين ـ على ما حكي (١) ـ : إنّ علمه تعالى حضوريّ بمعنى حضور المعلومات عنده وعدم غيبتها عنه تعالى.
ولمّا أشكل عليه الأمر بالنسبة إلى المعدومات ؛ لعدم تصوّر حضورها حال عدمها عنده ، قال بكون صورها في العقل الأوّل الحاضر عنده. (٢)
ولا يخفى أنّه يستلزم احتياج الواجب إلى العقل الأوّل المنافي لوجوب الوجود ، وجهله بالمعدومات في مرتبة ذاته المقدّمة على مرتبة معلوله ، وهو محال.
فالصواب أن يقال : إنّ للأشياء مرتبتين من الوجود : إجماليّ وتفصيليّ.
والإجماليّ عبارة عن وجودها في مرتبة ذات علّتها بجميع ما لها من الأحوال والكيفيّات والكمّيّات ونحوها ؛ فإنّها أيضا من الأشياء المعلولة له تعالى ، بمعنى وجود علّتها من حيث إنّها علّتها ، لا وجودها حقيقة كما يقول من قال بوحدة الوجود ، ففي الإجمال في الحقيقة تفصيل.
__________________
(١) حكاه الصدر الشيرازيّ في « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨١ واللاهيجيّ في « شوارق الإلهام » : ٥١٧.
(٢) راجع « شرح مسألة العلم » ٢٨ ـ ٢٩ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.