الحضور المذكور علّة انكشاف المعلوم في تلك المرتبة على وجه سيكون عليه من الأحوال والكيفيّات والتشخّص والتفاصيل الخارجيّة أو الذهنيّة.
وعلم الله تعالى بما عداه قبل الإيجاد من هذا القبيل ، فيكون الإجمال فيه عين التفصيل. وهذا هو العلم الكماليّ التفصيليّ من وجه والإجماليّ من وجه ، وذلك لأنّ المعلومات ـ على كثرتها وتفصيلها ـ موجودة بوجود في اتّصافه بوجوده [ لا يحتاج ] إلى شيء آخر ، حتّى يلزم أن يكون معلولا.
وبالجملة ، فادّعاء المخلوق لنفسه الإحاطة العلميّة بجلائل الملك ودقائق الملكوت ، وتسميته لنفسه فيلسوفا حكيما ، وسلب العلم عن خالقه الحكيم العليم ـ الذي أفاض ذوات العلماء ونوّر قلوبهم بمعرفة الأشياء ـ من أقبح القبائح وأفحش الأغلاط.
ومنها : أنّه تعالى فاعل فعلا محكما متقنا ، وكلّ من كان كذلك ، فهو عالم.
أمّا الكبرى ، فبالضرورة ، وينبّه عليه أنّ من رأى خطوطا مليحة أو سمع ألفاظا فصيحة تنبئ عن معان دقيقة وأغراض صحيحة ، علم أنّ فاعلها عالم.
وأمّا الصغرى ، فلما ثبت من أنّه تعالى خالق للأفلاك والعناصر وما فيها من الأعراض والجواهر وأنواع المعادن والنباتات وأصناف الحيوانات على إتقان وإحكام تحيّرت فيه العقول والأفهام ، ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام على ما يشهد بذلك علم الهيئة والتشريح ونحوهما مع أنّ الإنسان لم يؤت من العلم إلاّ قليلا ، ولم يجد إلى الكثير سبيلا. والمراد اشتمال الأفعال على لطائف الصنع وبدائع الترتيب وحسن الملاءمة للمنافع والمطابقة للمصالح على وجه الكمال ، فلا يقدح الاشتمال على نوع من الخلل والشرور بالعرض.
ومنها : أنّ الله تعالى فاعل بالقصد والاختيار ، ولا يتصوّر ذلك إلاّ مع العلم بالمقصد.
ومنها : أنّ البارئ تعالى مجرّد ، وكلّ مجرّد عاقل ؛ لأنّ التعقّل والتجرّد متلازمان ،