الحوادث قبل وقوعها من جهة أنّه يستلزم وجوبها ، أو انقلاب علمه جهلا إن لم تكن واجبة ، مع أنّ العلم تابع للمعلوم لا علّة له ومفيد لوجوبه ، لا بمعنى أنّ العلم الأزليّ متأخّر عنه حتّى يلزم الدور ، بل بمعنى أصالة موازنة ، أعني المعلوم ؛ لأنّ العلم حكاية عنه ومثال له كصورة الفرس المنقوشة على الجدار بالنسبة إلى ذات الفرس ، فكما يصحّ أن يقال : إنّما كانت الصورة هكذا ؛ لأنّ ذات الفرس هكذا ، ولا يصحّ أن يقال : إنّما كانت ذات الفرس هكذا ؛ لأنّ صورته هكذا ، كذلك يصحّ أن يقال : إنّي علمت زيدا فاسقا ؛ لأنّه كان في نفسه فاسقا ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه كان في نفسه فاسقا ؛ لأنّي علمته فاسقا ، فالله سبحانه إنّما علمهم في الأزل كذلك ؛ لأنّهم كانوا فيما لا يزال كذلك ، لا أنّ الأمر بالعكس.
والإيراد بأنّه يلزم أن لا يكون علمه تعالى فعليّا مدفوع بأنّ العلم الفعليّ إنّما يكون تصوّرا وهذا من الأمور التصديقيّة التي لا بدّ لها من واقع يطابقه.
الثاني : أنّ علمه تعالى بارتسام صور الممكنات في ذاته تعالى وحصولها فيه حصولا ذهنيا على الوجه الكلّيّ (١).
الثالث : القول باتّحاده مع الصور المعقولة (٢).
الرابع : القول بإثبات الصور المفارقة والمثل العقليّة ، وأنّها علوم إلهيّة بها يعلم الله الموجودات كلّها (٣).
الخامس : القول بثبوت المعدومات الممكنة قبل وجودها ، فعلم البارئ تعالى
__________________
(١) هذا هو قول المشّائين. انظر « التعليقات » للفارابيّ : ٢٤ ؛ « فصوص الحكم » : ٥٨ ؛ « الجمع بين رأيي الحكيمين » : ١٠٦ ؛ « التعليقات » لابن سينا : ٢٦ ـ ٣٢ و ٨١ ـ ٨٢ و ١١٦ و ١١٩ ـ ١٢٠ و ١٤٩ و ١٥٣ و ١٥٦ ؛ « الشفاء » الإلهيات : ٣٦٣ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨٠ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥١٦.
(٢) نسب هذا القول إلى فرفوريوس. انظر « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨٦ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥١٦ ؛ « شرح المنظومة » : ١٦٧.
(٣) نسب هذا القول إلى أفلاطون ، كما في « الملل والنحل » ٢ : ٩٠ ـ ٩١ ؛ « الجمع بين رأيي الحكيمين » : ١٠٥ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨١ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥١٦ ؛ « شرح المنظومة » : ١٦٥.