ولا يقع بين المسدّسات فرج كما يقع بين المدوّرات وما سواها من المضلّعات ، وهذا لا يعرفه إلاّ الحذّاق من أهل الهندسة.
وكذلك العنكبوت ينسج تلك البيوت ، وتجعل لها سدى ولحمة على تناسب هندسي بلا آلة مع أنّها ليست من أولي العلم.
قلنا : لا نسلّم أنّها ليست من أولي العلم مطلقا ؛ لجواز أن يكون فيها قدر ما يهتدي إلى ذلك بأن يخلقها الله تعالى عالمة بذلك ، أو يلهمها هذا العلم حين ذلك الفعل.
قال الشيخ في طبيعيّات الشفاء : « من الواجب أن يبحث الباحث ، ويتأمّل أنّ الوهم ـ الذي لم يصحبه العقل حال توهّمه ـ كيف ينال المعاني التي في المحسوسات عند ما ينال الحسّ صورتها من غير أن يكون شيء من تلك المعاني يحسّ؟
فنقول : إنّ ذلك للوهم من وجوه : من ذلك الإلهامات الفائضة على الكلّ من الرحمة الإلهيّة مثل حال الطفل ساعة يولد في تعلّقه بالثدي ، ومثل حال الطفل إذا أفل وأقيم ، فكاد يسقط من مبادرته إلى أن يتعلّق ويعتصم بشيء لغريزة جعلها فيه الإلهام الإلهيّ ، وإذا تعرّض لحدقته بالقذى ، بادر ، فأطبق جفنه قبل فهم ما يعرض له ، وما ينبغي أن يفعل بحسبه كأنّه غريزة لنفسه لا اختيار معه ، وكذلك للحيوانات إلهامات غريزيّة.
والسبب في ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومبادئها هي دائمة لا تنقطع غير المناسبات التي يتّفق أن تكون مرّة ، وأن لا تكون كاستعمال العقل وكخاطر الصواب ؛ فإنّ الأمور كلّها من هناك.
وهذه الإلهامات يقف بها الوهم على المعاني المخالطة للمحسوسات فيما يضرّ وينفع ، فيكون الذئب يحذره كلّ شاة وإن لم تره قطّ ولا أصابتها منه نكبة ، وتحذر الأسد حيوانات كثيرة ، وجوارح الطير يحذرها سائر الطير ويشنع عليها الطير