بالفعل ، فكان الواجب أن يقول : فإنّه يمكن أن يعقله بالإمكان العامّ (١).
وأجاب عنه المصنّف بأنّ الإمكان العامّ يقع على الإمكانات البعيدة حتّى على دائم العدم من غير ضرورة ، ولذلك لم يعبّر به الشيخ عن المقصود في هذا الموضع ، وعبّر بالقوّة القريبة التي هي العقل بالفعل ، وهو الذي يقتضي أن يكون للعاقل أن يلاحظ معقوله متى شاء.
فالمراد أنّ كلّ شيء يعقل شيئا فله أن يعقل بالفعل متى شاء أنّ ذاته عاقلة لذلك الشيء ؛ وذلك لأنّ تعقّله لذلك الشيء هو حصول ذلك الشيء ، وتعقّله لكون ذاته عاقلة لذلك هو حصول ذلك الحصول له ، ولا شكّ أنّ حصول الشيء لشيء لا ينفكّ عن حصول ذلك الحصول له إذا اعتبر معتبر ، فتعقّل الشيء مشتمل على تعقّل صدور التعقّل من المتعقّل بالقوّة القريبة ، فالمشتمل على القوّة القريبة هو التعقّل لا المتعقّل. وكون المتعقّل بحيث يجب أن يكون له بالفعل ما يكون لغيره بالقوّة بسبب يرجع إلى ذاته لا ينافي ذلك (٢).
هذا ، وللمتكلّمين طريق آخر في إثبات علمه تعالى ، وهو أنّه تعالى فاعل بالقصد والاختيار ـ كما مرّ ـ ولا يتصوّر ذلك إلاّ مع العلم بالمقصود.
ويرد عليه منع استدعاء صدور الفعل الاختياريّ العلم بالمقصود ، مستندا بصدوره عن الحيوانات العجم مع خلّوها عن العلم.
وادّعاء الضرورة فيه لا يخلو عن إشكال ؛ لمكان فعل النائم والساهي ، ولا فرق بين القليل والكثير في ذلك ؛ إذ لو امتنع صدور الكثير بلا علم ، امتنع صدور الواحد ؛ لامتناع تحقّق المشروط بدون تحقّق الشرط.
فدعوى المواقف (٣) ضرورة الفرق غير مسموعة ، والمفروض أنّه لا دخل للإتقان
__________________
(١) نفس المصدر السابق.
(٢) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٢ : ٣٨٣.
(٣) « شرح المواقف » ٨ : ٦٧.