مستلزمة لجميع ما يلزمها لذاتها ، وهذا العلم يتضمّن العلم بلوازمها التي منها معلولاتها الواجبة بوجوبها ، ويعقل سائر الأشياء التي بعد المعلول الأوّل من حيث وقوعها في سلسلة المعلوليّة النازلة من عنده إمّا طولا كسلسلة المعلولات المترتّبة المنتهية إليه تعالى في ذلك الترتيب ، أو عرضا كسلسلة الحوادث التي لا تنتهي في ذلك الترتيب إليه تعالى ، لكنّها منتهية إليه تعالى من جهة كون الجميع ممكنة محتاجة إليه ، وهو احتياج عرضي يتساوى جميع آحاد السلسلة فيه بالنسبة إليه تعالى (١). انتهى.
وإلى هذا أشار بقوله : ( والأخير عامّ ) (٢) بخلاف الدليل الأوّل ؛ فإنّه يدلّ على علمه تعالى بما علم الإتقان فيه ممّا علم أنّه من معلولاته.
واعلم أنّ المشهور في كتب المتأخّرين تقرير هذا الدليل على أنّه دليلان :
الأوّل : أنّه تعالى مجرّد ، وكلّ مجرّد فهو عاقل لذاته ولغيره من المعلولات كما مرّ في مبحث التعقّل.
الثاني : أنّه تعالى عاقل لذاته ـ كما مرّ ـ وذاته علّة لما سواه ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول كما مرّ.
والشارحون أيضا حملوا كلام المصنّف على ذلك (٣).
والأوجه ما ذكرنا كما لا يخفى على من تتبّع كتب الشيخ سيّما الإشارات تتبّع فحص وإتقان.
وظاهر كلام المصنّف وإن كان يوهم التثليث لكنّ الأظهر عند التدبّر خلافه ؛ إذ ليس مجرّد استناد الكلّ إليه دليل العلم ، بل بعد الضمّ إلى الدليل الدالّ على علمه بذاته ، ولذلك حمل بعضهم قوله : والأخير عامّ ، على أنّ المراد أنّه دليل لعموم العلم.
__________________
(١) نفس المصدر السابق.
(٢) « تجريد الاعتقاد » : ١٩٢.
(٣) « كشف المراد » : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣١٢ ـ ٣١٣.