مجرّدة لذاته ، وأنّ ماهيّته مجرّدة ذاتها لها ، وهاهنا تقديم وتأخير في ترتيب المعاني ، والغرض المحصّل شيء واحد بلا قسمة فقد بان أنّ كونه تعالى عاقلا ومعقولا لا يوجب فيه كثرة البتّة (١). انتهى.
الثانية : من ينفي علمه بغيره مع كونه عالما بذاته ، متمسّكا بأنّ العلم صورة مساوية للمعلوم ومرتسمة في العالم كما مرّ في مسألة العلم ، فصور الأشياء المختلفة مختلفة على ما مرّ هناك أيضا ، فيلزم بحسب كثرة المعلومات كثرة الصور في الذات الأحديّة [ وكونها فاعلة قابلة ] (٢) وكونها قابلة لتلك الصور وفاعلة لها ؛ لوجوب استنادها إليها ؛ لامتناع أن يكون تعالى محتاجا فيما هو كمال له إلى غيره.
قال المصنّف في شرح رسالة العلم : إنّ هذين المذهبين مذكوران في كتب المذاهب والآراء ، منقولان عن القدماء. (٣)
والجواب يستدعي تمهيد مقدّمة ، هي أنّ العلم على قسمين : حصوليّ وحضوريّ ؛ لأنّ العلم عبارة عن حصول المعلوم لما من شأنه أن يكون عالما ، وهو المجرّد القائم بذاته ، وذلك الحصول قد يكون بارتسام صورة المعلوم في العالم حيث لا حضور لذاته لديه ، كما في علمنا بما سوى ذواتنا وقوانا والصور المرتسمة فينا.
وقد يكون بحضوره بنفس ذاته عند العالم من غير حاجة إلى ارتسام صورته فيه وقيامها به ، وذلك كما للمعلول عند العلّة ؛ فإنّ حصوله عندها لا يتوقّف على ارتسام صورته فيها ، بل يكفي فيه حضوره بنفس ذاته لديها ؛ إذ لا انفكاك بين ذات العلّة وذات المعلول في الوجود ، فحيثما وجدت العلّة وجد المعلول معها غير منفكّ عنها.
وهذا معنى حصوله لها ، فإذا كانت العلّة مجرّدة قائمة بذاتها ، فهي لا محالة عالمة بمعلولها ، كما أنّها عالمة بذاتها ؛ لكونها غير فاقدة إيّاه كما أنّها غير فاقدة لذاتها.
__________________
(١) نفس المصدر : ٣٥٨.
(٢) العبارة غير موجودة في « شوارق الإلهام » الطبعة الحجريّة.
(٣) « شرح رسالة العلم » : ٢٧.