وما مرّ في مسألة العلم كان من أحكام العلم الحصوليّ ؛ لكونه من الكيفيّات النفسانيّة ( و ) البحث هنالك كان منها دون العلم الحضوريّ ، فإذا ثبت ذلك ثبت أنّه ( لا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى ) مرتسمة فيه ؛ لكونه علّة لذوات المعلومات غير فاقدة إيّاها ، فيكفي في علمه تعالى بها حضور ذواتها لديه وحصولها عنده ( لأنّ نسبة الحصول ) أي حصول المعلومات المعلولة له تعالى في كونه حصولا ( إليه تعالى أشدّ من نسبة حصول الصور المعقولة لنا ) الحاصلة في أنفسنا إلينا ؛ لكون تلك المعلومات معلولة له تعالى وصادرة عنه بدون مشاركة من غيره ، وكون هذه الصور صادرة عنّا ومعلولة لنا بمشاركة من غيرنا ؛ لكون أنفسنا قابلة لها فقط.
وأمّا العلّة الفاعلة لها المفيضة إيّاها ، فهي خارجة عن أنفسنا لا محالة ، فحصول الصور لنا حصول للقابل وهو بالإمكان ، وحصول المعلومات له حصول للفاعل المستقلّ وذلك بالوجوب ، ولا شكّ في كون الوجوب أشدّ من الإمكان ، فإذا كان الحصول هو حقيقة العلم ، وكان حصول المعقولات لنا علما ، كان حصول المعلومات له تعالى علما بالطريق الأولى.
فثبت أنّ علمه تعالى بالأشياء لا يتوقّف على ارتسام صورها فيه ليلزم التكثّر في ذاته الأحديّة ، وكونها فاعلة وقابلة.
واعلم أنّ هذا الكلام من المصنّف ـ مع كونه جوابا عن الدليل المذكور ـ إشارة إلى ما هو مختاره في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء ؛ فإنّ للحكماء فيها اختلافا ، ولا بأس بأن نفصّل المقام ونبسط الكلام ، ونأتي بمرّ الحقّ في المرام فنقول :
[ في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء ]
اختلف الحكماء في علمه تعالى بالأشياء إلى خمسة مذاهب :
[ المذهب ] الأوّل : مذهب انكسمانس الملطيّ ، وهو أنّ علمه تعالى بالأشياء إنّما