كالسماء والأرض ونحوهما ، فاستحضرت صورته.
أمّا الجزئيّات ففي قوى حاضرة لها. وأمّا الكلّيّات ففي ذاتها ؛ إذ من المدركات صورة كلّيّة لا تنطبع في الأجرام ، والمدرك هو نفس الصورة الحاضرة لا ما خرج عن التصوّر.
وإن قيل للخارج : إنّه مدرك فذاك بقصد ثان ، فذاتها غير غائبة عن ذاتها ، ولا بدنها جملة ما ، ولا قوى مدركة لبدنها جملة ما ، وكما أنّ الخيال غير غائب عنها ، فكذلك الصور الخياليّة ، فيدركها النفس لحضورها لا لتمثّلها في ذات النفس ، ولو كان تجرّدها أكثر ، لكان الإدراك بذاتها أكثر وأشدّ ، ولو كان تسلّطها على البدن أشدّ كان حضور قواها وأجزائها لها أشدّ.
ثمّ قال لي : اعلم أنّ العلم كمال للموجود (١) من حيث مفهومه ، ولا يوجب تكثّرا ، فيجب للواجب وجوده [ لأنّه كمال للوجود (٢) من حيث هو وجود (٣) ، ولا يوجب تكثّرا ، فلا يمتنع ، والممكن العامّ على واجب الوجود يجب له ؛ إذ لا يمكن بالإمكان الخاصّ شيء عليه ، فيوجب فيه جهة إمكانيّة ، فيتكثّر ] (٤).
ثمّ قال : فواجب الوجود ذاته مجرّدة عن المادّة وهو الوجود البحت والأشياء حاضرة له على إضافة مبدئيّة تسلّطيّة ؛ لأنّ الكلّ لازم ذاته ، فلا يغيب عنه ذاته ، ولا لازم ذاته ، وعدم غيبته عن ذاته أو لوازمه مع التجرّد عن المادّة هو إدراكه كما قرّرناه في النفس.
ورجع الحاصل في العلم كلّه إلى عدم غيبة الشيء عن المجرّد عن المادّة صورة كانت أو غيرها ، فالإضافة جائزة في حقّه تعالى ، وكذلك السلوب ، ولا يخلّ بوحدانيّته تكثّر أسمائه بهذه السلوب والإضافات ، ولو كان لنا على غير بدننا سلطنة
__________________
(١) في المصدر : « للوجود ».
(٢) في « شوارق الإلهام » : « للموجود ... موجود ».
(٣) في « شوارق الإلهام » : « للموجود ... موجود ».
(٤) العبارة لم ترد في « التلويحات ».