كما على بدننا ، لأدركناه كإدراك البدن كما سبق من غير حاجة إلى صورة ، فتعيّن من هذا أنّه بكلّ شيء محيط ، وإدراك أعداد الوجود هو نفس الحضور له والتسلّط من غير صورة ومثال. ثمّ قال لي : كفاك في العلم هذا (١) انتهى كلام التلويحات.
وقال في حكمة الإشراق : لمّا تبيّن ـ يعني على قاعدة الإشراق ـ أنّ الإبصار ليس من شرطه انطباع شبح أو خروج شيء ، بل يكفي عدم الحجاب بين الباصر والمبصر ، فنور الأنوار ظاهر لذاته على ما سبق بيانه في كلّ مجرّد وغيره ظاهر له ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ؛ إذ لا يحجبه شيء عن شيء ؛ فعلمه وبصره واحد (٢).
وقال أيضا : علمه بذاته هو كونه نورا لذاته وظاهرا لذاته ، وعلمه بالأشياء كونها ظاهرة له إمّا بأنفسها أو بمتعلّقاتها التي هي مواضع الشعور المستمرّ للمدبّرات العلويّة وذلك ـ أي علمه بالأشياء ـ إضافة ـ لكونه عبارة عن ظهور الأشياء ـ وعدم الحجاب سلبيّ.
والذي يدلّ على أنّ هذا القدر ـ أي ظهور الأشياء له ـ كاف في علمه بها هو أنّ الإبصار إنّما كان بمجرّد إضافة ظهور الشيء للمبصر مع عدم الحجاب ، فإضافته إلى كلّ ظاهر له ، إبصار وإدراك له ، وتعدّد الإضافات العقليّة ـ التي له إلى الأشياء الكثيرة ـ لا يوجب تكثّرا في ذاته (٣). انتهى كلام حكمة الإشراق.
ومختار المصنّف هذا المذهب كما أشرنا إليه ؛ قال في شرح رسالة العلم : والحقّ أنّه ليس من شرط كلّ إدراك أن يكون بصورة ذهنيّة ؛ وذلك لأنّ ذات العاقل إنّما تعقل نفسه بعين صورته التي بها هي هي.
وأيضا المدرك للصورة الذهنيّة إنّما يدركها بعين تلك الصورة لا بصورة أخرى ،
__________________
(١) « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٧٠ ـ ٧٣.
(٢) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٠.
(٣) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٢.