فبهذا التحقيق اندفع الأوّل والثاني من المفاسد.
وأمّا الثالث منها ـ وهو كونه محلاّ للمعلولات المتكثّرة (١) ـ فينحلّ إلى ثلاثة مفاسد :
أحدها : كونه محلاّ. وهذا أيضا قد اندفع به ؛ إذ لا فرق بينه وبين كونه قابلا.
وثانيها : كونه محلاّ للكثرة من حيث هي كثرة. وهذا مندفع ؛ لكون تلك الكثرة على الترتيب.
وثالثها : كونه محلاّ للمعلول من حيث هو معلول ؛ لأنّ الظاهر من مذاهب الحكماء هو اتّفاقهم على امتناع كونه تعالى محلاّ لشيء من معلولاته.
وهذا مع الوجهين الباقيين من تلك المفاسد مندفعة ، بأنّه على تقدير التسليم فالمراد من المعلول وكذا من الإيجاد ما يكون بحسب الوجود العينيّ ، فلا ينافي كونه محلاّ لمعلوله بحسب الوجود العقليّ ، ولا كونه غير مباين ، ولا كونه غير موجد لشيء من معلولاته بحسب الوجود الخارجيّ إلاّ بتوسّط ما هو حالّ فيه ومعلول له بحسب الوجود العقليّ.
وقد يجاب أيضا عن لزوم كون المعلول الأوّل غير مباين لذاته تعالى بأنّه إن أراد بعدم المباينة قيام صورته بذاته تعالى ، فهو عين محلّ النزاع.
وإن أراد به كون صورته عين ذاته تعالى ـ بناء على أنّ صدور كلّ معلول إذا كان بتوسّط صورته السابقة عليه ، فلو لم يكن صورة المعلول الأوّل عين الواجب ، لزم التسلسل ـ فجوابه أنّ هذه الصورة نفس وجودها عنه نفس عقله لها ، فهي من حيث هي موجودة معقولة ، ومن حيث هي معقولة موجودة ، فنفس إيجاده تعالى إيّاها عين علمه تعالى بها ، وكلّ إيجاد لا يكون نفس العلم يحتاج إلى علم سابق. وأمّا إذا كان الإيجاد والعلم واحدا وكانت الصورة العلميّة نفس الموجود ، فلا يحتاج إلى علم سابق ؛ فإنّ الإيجاد يجب أن يكون عن علم ، ولا يجب أن يكون العلم أيضا
__________________
(١) تقدّم بيانها في ص ١٥٧.