عن علم ، هذا.
وينبغي أن يعلم أنّ بناء العلم الحصولي على وجوب كون هذه الموجودات عن علم متعلّق بهذا النظام والترتيب الواقعين على أكمل وجوه الخيريّة وأتمّها ، وامتناع صدور مثل ذلك النظام لا عن علم به بل بمحض اتّفاق أو طبع.
وهذا العلم يجب أن يكون متقدّما على الصدور ومتعلّقا بتفاصيل النظام ، فلا يجوز كونه عين تلك الأشياء ولا كونه إجماليّا كما سيأتي ، فثبت وجوب كون هذا النظام معقولا له تعالى سابقا على صدور الأشياء وسببا له.
وهو معنى قول الشيخ : إنّ هذه العالميّة يفيض عنها الوجود مع الترتيب الذي يفعله خيرا ونظاما (١) ، وأنّ الأشياء لمّا عقلت هكذا وجدت لا أنّها وجدت ثمّ عقلت. وهذا هو مرادهم من العناية (٢).
قال في الإشارات : فالعناية هي إحاطة علم الأوّل بالكلّ وبالواجب أن يكون عليه الكلّ حتّى يكون على أحسن النظام وبأنّ ذلك واجب عنه وعن إحاطته به ، فيكون الموجود وفق المعلوم على أحسن النظام من غير انبعاث قصد وطلب من الأوّل الحقّ ، فعلم الأوّل بكيفيّة الصواب في ترتيب وجود الكلّ منبع لفيضان الخير في الكلّ (٣).
وقال في كتاب المبدأ والمعاد : وأمّا وجود العناية من العلل العالية في العلل السافلة ، فهي أنّ كلّ علّة عالية فإنّها تعقل نظام الخير الذي يجب أن يكون عنه في كلّ ما يكون ، فيتبع معقوله وجود ذلك النظام ، وليس يمكننا أن ننكر التدبير في أعضاء الحيوان والنبات ، والزينة (٤) الطبيعيّة ، ولا يمكننا أن نجعل القوى العالية بحيث
__________________
(١) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦٣ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة ، و ٤١٥ ، الفصل السادس من المقالة التاسعة. وانظر التعليقات : ١٥٧.
(٢) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٦٣ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة ، و ٤١٥ ، الفصل السادس من المقالة التاسعة. وانظر التعليقات : ١٥٧.
(٣) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٣١٨.
(٤) في « شوارق الإلهام » و « التعليقات » : « الرتبة ».