ثمّ اعلم أنّه قد ظهر من هذا البيان أنّ التفاوت بين المعلوم بالعلم الإجماليّ البسيط ، وبين المعلوم بالعلم التفصيليّ ليس إلاّ في نحو الإدراك لا في نفس المدرك ؛ فإنّ المعلوم بالحالة الثالثة المسمّاة بالعلم الإجماليّ هو أنّ جميع ما له مدخل في الجواب عن هذه المسألة حاصل لي ، وهذه صورة علميّة واحدة مطابقة لجملة المقدّمات التي لها مدخل في الجواب من حيث الجملة وليست صورة كلّ واحدة من تلك المقدّمات ملحوظة بهذه الملاحظة فإذا أخذ في الجواب من حيث الجملة ، وليست صورة كلّ واحدة من تلك المقدّمات ملحوظة بهذه الملاحظة ، فإذا أخذ في الجواب والاستنباط تحصل كلّ مقدّمة بصورتها المخصوصة المطابقة إيّاها بخصوصها ، فتترتّب في النفس تلك المقدّمات ويتكثّر تلك الصور ، فيحصل الحالة الأولى المسمّاة بالعلم التفصيليّ الفكريّ ، فالمعلوم بكلتا الحالتين ليس إلاّ ما هو جواب عن المسألة لكن في إحداهما بصورة واحدة ، وفي الأخرى بصور متكثّرة.
ونظير ذلك في التصوّرات تصوّر المحدود كالإنسان ؛ فإنّه يكون بصورة واحدة ، وتصوّر الحدّ كالحيوان الناطق ؛ فإنّه بصور متعدّدة ، فالأوّل علم إجماليّ بحقيقة الإنسان ، والثاني علم تفصيليّ بها ، والمعلوم في كلا الحالين ليس إلاّ حقيقة الإنسان. يدلّ على ذلك صريحا قول الشيخ : وكان الترتيبان مختلفين والمعقول الصرف واحد (١).
هذا ، فما أبعد عن الحقّ من زعم أنّ العلم الإجماليّ بهذا المعنى حالة متوسّطة بين العقل المحض الذي هو العلم بالمعلومات مفصّلة ، متميّزا بعضها عن بعض ، وبين القوّة المحضة التي هي حالة اختزان المعلومات وحصول الأمر المسمّى بالملكة ؛ فإنّه علم بجملة مخصوصة من معلومات متعدّدة من حيث الجملة ، ومبدأ التفاصيل علوم متعلّقة بخصوصيّات تلك المعلومات ، فهو بالفعل من حيث إنّه علم بجملة تلك
__________________
(١) مرّ في ص ١٨٦ من هذا الجزء.