وأيضا فأيّ فائدة لكون الصور بعد الذات إذا تأدّت كثرتها إلى كثرة الذات ؛ فإنّ الظاهر أنّ المقصود من هذا الكلام هو دفع مفسدة لزوم الكثرة في الذات باعتبار اجتماع جهتي الفعل والقبول أو جهات الصدور؟
قلت : معناه أنّ كثرة تلك الصور وقيامها بالذات إنّما هو بعد كمال الذات وتمامها ؛ لما مرّ من أنّ كماله تعالى ليس بتلك الصور ، بل بأن يفيض عنه تلك : الصور ؛ وذلك لوجوب كون العلّة غير عارية في حدّ ذاتها عن المعلول ، وإلاّ لامتنعت الإفاضة ، بخلاف سائر الصور والأعراض ؛ فإنّ قيامها بمحالّها ليس بعد كمال محالّها ؛ لكون محالّها مستكملة لا محالة بها ، فيكون في ذات تلك المحالّ قوّة القبول لها ، فلو كان صدورها أيضا عن محالّها ، لزم تحقّق الكثرة في ذوات تلك المحالّ لا محالة.
ومن هذا التحقيق ظهر أنّ كثرة صور معقولاته تعالى ليست ككثرة الصور في النفس ـ أعني التفصيل الذي لا يكون إلاّ للنفس ـ ليرد أنّ هذا التفصيل لا يكون لما ليس له نفس ، كما مرّ في كلام الشيخ ، فكيف حكموا بكونه ثابتا له تعالى ولو بعد ذاته؟! وذلك لأنّ كثرة معقولاته تعالى ليست كثرة متجدّدة زمانيّة فكريّة ليلزم من ثبوتها لشيء ثبوت النفس له. والتفصيل ـ الذي قد مرّ في كلام الشيخ أنّه لا يكون إلاّ لما له نفس ـ إنّما هو الكثرة التفصيليّة الفكريّة.
وبالجملة ، قابل العلم التفصيليّ الفكريّ ـ الذي لا بدّ أن يفيض عن الغير ـ لا يكون إلاّ النفس من حيث هي نفس.
وأمّا قبول التفصيل الفائض عن ذات العاقل ، فلا يلزم وجود النفس ، بل يكون من شأن العقل ـ من حيث هو عقل ـ قبول ذلك ، وهذا هو القبول بمعنى مطلق الموصوفيّة لا القبول المستدعي للانفعال بخلاف القبول الذي ليس إلاّ للنفس ، فليتدبّر.
زيادة بسط في المقال لمزيد تحقيق الحال
ثمّ ينبغي لنا أن نزيد في بسط الكلام ليظهر أنّ الفلاسفة من أيّ جهة يقولون : إنّه