ولذلك متى عدمنا حاسّة ما ، عدمنا معقولها ، وكذلك متى تعذّر علينا حسّ شيء ما ، فاتنا معقوله ولم يكن حصوله لنا إلاّ على جهة الشهرة ؛ ولذلك يمكن أن تكون هاهنا أشياء مجهولة الأسباب بالإضافة إلينا هي موجودة في ذات العقل الفعّال ، وبهذه الجهة أمكن إعطاء أسباب الرؤيا وغير ذلك من الإنذارات الإلهيّة ، وإنّما كان هذا القصور لنا لمكان الهيولى.
وكذلك يلزم أيضا أن لا يكون معقول العقل الفاعل للعقل الفعّال شيئا أكثر من معقول العقل الفعّال ؛ إذ كان وإيّاه واحدا بالنوع إلاّ أن يكون بجهة أشرف وهكذا الأمر حتّى يكون المبدأ الأوّل يعقل الموجود بجهة أشرف من جميع الجهات التي يمكن أن يتفاضل فيها العقول البريئة عن المادّة ؛ إذ كان معقوله ليس هو غير المعقولات الإنسانيّة بالنوع فضلا عن سائر معقولات سائر المفارقات وإن كان مباينا بالشرف جدّا للعقل الإنساني ، وأقرب شيء من جوهره هو العقل الذي يليه ، ثمّ هكذا على الترتيب إلى العقل الإنساني.
ولو كان ما يعقل المعلول من هذه المبادئ من علّته ما يعقل العلّة من ذاتها ، لم يكن هناك مغايرة بين العلّة والمعلول ، ولما كانت كثرة لهذه الأمور المفارقة أصلا.
فقد ظهر من هذا القول أنّه على أيّ جهة يمكن أن يقال : إنّها تعقل الأشياء كلّها ؛ فإنّ الأمر في ذلك واحد في جميعها حتّى في عقول الأجرام السماويّة ، وعلى أيّ جهة يقال فيها : إنّها ليست تعقل ما دونها ، وانحلّت بهذا الشكوك المتقدّمة ؛ فإنّها بهذه الجهة يقال : إنّها عالمة بالشيء الذي صدر عنها ؛ إذ كان ما يصدر عن العالم بما هو عالم يلزم ضرورة ـ كما قلنا ـ أن يكون معلوما ، وإلاّ كان صدوره كصدور الأشياء الطبيعيّة بعضها عن بعض.
وبهذا القول تمسّك القائلون بأنّ الله يعلم الأشياء. وبالقول الثاني تمسّك القائلون بأنّه لا يعلم ما دونه ، وذلك أنّهم لم يشعروا باشتراك اسم العلم ، فأخذوه على أنّه يدلّ