على معنى واحد ، فلزمهم عن ذلك قولان متناقضان على جهة ما يلزم في الأقاويل التي تؤخذ أخذا مهملا.
وكذلك الشنعة (١) التي قيلت فيما سلف تنحلّ بهذا وذلك بأنّه ليس النقص في أن نعرف الشيء بمعرفة أتمّ ولا نعرفه بمعرفة أنقص وإنّما النقص في خلاف هذا ؛ فإنّ من فاته أن يبصر الشيء بصرا رديئا وقد أبصره بصرا تامّا ليس ذلك نقصا في حقّه.
وهذا الذي قلنا هو الظاهر من مذهب أرسطو وأصحابه أو اللازم عن مذهبهم ، فقد تبيّن من هذا القول كيف تعقل هذه المبادئ ذواتها وما هو خارج عن ذواتها. انتهى كلامه في الجامع بأدنى تلخيص.
وقال في كتاب ردّ التهافت : ولمّا كانت معقولات الأشياء هي حقائق الأشياء ، وكان العقل ليس شيئا أكثر من إدراك المعقولات ، كان العقل منّا هو المعقول بعينه من جهة ما هو معقول ، ولم يكن هناك مغايرة بين العقل والمعقول إلاّ من جهة أنّ المعقولات هي معقولات أشياء ليست في طبيعتها عقلا ، وإنّما تصير عقلا بتجريد العقل صورها من الموادّ ، ومن قبل هذا لم يكن العقل منّا هو المعقول من جميع الجهات ، فإن ألقي شيء في غير مادّة فالعقل منه هو المعقول من جميع الجهات وهو عقل المعقولات ولا بدّ ؛ لأنّ العقل ليس شيئا هو أكثر من إدراك نظام الأشياء الموجودة وترتيبها ، ولكنّه يجب فيما هو عقل مفارق أن لا يستند (٢) في عقل الأشياء الموجودة وترتيبها (٣) ، إلى الأشياء الموجودة ، ويتأخّر (٤) معقوله عنها ؛ لأنّ كلّ عقل هو بهذه الصفة فهو تابع للنظام الموجود في الموجودات ، ومستكمل به ، وهو ضرورة يقصر فيما يعقله من الأشياء ، ولذلك كان العقل منّا مقصّرا عمّا يقتضيه طبائع
__________________
(١) في « شوارق الإلهام » : « الشبهة ».
(٢) الضمير المستتر في « يستند » راجع إلى العقل.
(٣) متعلّق بـ « لا يستند ».
(٤) عطف على « يستند ».