ناقصة فهي موجودة له من قبل شيء هو حارّ بحرارة كاملة ، وكذلك ما وجد فيه الحياة ناقصة فهي موجودة له من قبل حيّ بحياة كاملة ، فكذلك ما وجد عاقلا بعقل ناقص فهو موجود له من قبل شيء هو عاقل بعقل كامل ، وكذلك كلّ ما وجد له فعل عقلي كامل فهو موجود له من قبل عقل كامل ، فإن كانت جميع أفعال الموجودات أفعالا عقليّة كاملة وليست ذوات عقول ، فها هنا عقل من قبله صارت أفعال الموجودات أفعالا عقليّة.
ومن لم يفهم هذا المعنى من ضعفاء الحكماء هو الذي يطلب هل المبدأ الأوّل يعقل ذاته أو يعقل شيئا خارجا عن ذاته؟ فإن وضع أنّه يعقل شيئا خارجا عن ذاته لزمه أن يستكمل بغيره ، وإن وضع أنّه لا يعقل شيئا خارجا عن ذاته لزمه أن يكون جاهلا بالموجودات.
والعجب من هؤلاء القوم أنّهم نزّهوا الصفات الموجودة في البارئ تعالى وفي المخلوقات عن النقائص التي لحقتها في المخلوقات وجعلوا العقل الذي فينا شبيها بالعقل الذي فيه ، وهو أحقّ شيء بالتنزيه.
ثمّ قال : ليس يمتنع في العلم الأوّل أن يوجد فيه مع الاتّحاد تفصيل بالمعلومات ؛ فإنّه لم يمتنع عند الفلاسفة أن يكون يعلم غيره وذاته علما مفرّقا (١) من جهة أن يكون هناك علوم كثيرة.
وإنّما امتنع عندهم أن يستكمل العقل بالمعقول المعلول عنه ، فلو عقل غيره على جهة ما نعقله نحن لكان عقله معلولا عن الموجود المعقول لا علّة له وقد قام البرهان على أنّه علّة للموجودات ، والكثرة التي نفى الفلاسفة هو أن يكون عالما لا بنفسه ، بل بعلم زائد على ذاته ، وليس يلزم من نفي هذه الكثرة عنه تعالى نفي كثرة المعلومات ، لكنّ الحقّ في ذلك هو أنّه ليس تعدّد المعلومات في العلم الأزليّ
__________________
(١) في « شوارق الإلهام » : « مفترقا ».