أطوار من الوجود ، فذلك معلوم من النفس. انتهى ما أردنا من كلماته التي التقطناها من مواضع متفرّقة ؛ لكونها متلائمة بحسب المرام ، وملائمة جدّا للمقام.
مباحث متعلّقة بالمقام ، ممّا يزيد الاطّلاع عليها في توضيح المرام
[ المبحث ] الأوّل : اعترض الإمام الرازيّ في المباحث المشرقيّة على الحكماء ـ حيث ذهبوا إلى أنّ علوم المجرّدات بذواتهم هي نفس ذواتهم ـ بأنّه لو كان كذلك ، لكان من عقلها عقلها عاقلة لذواتها وليس كذلك ؛ إذ إثبات كونها عاقلة لذواتها يحتاج إلى تجشّم إقامة برهان ، وبيان إثبات علمها غير بيان إثبات وجودها ، وكذا ليس من أثبت وجود البارئ أثبت علمه بذاته ، بل يلزمه إقامة حجّة أخرى له (١).
وأجاب عنه أستادنا صدر المتألّهين قدسسره في كتابه الموسوم بالمبدإ والمعاد بأنّ معقوليّة الشيء عبارة عن وجوده لشيء له فعليّة الوجود والاستقلال ، أي كونه غير قائم بشيء آخر ، فالجوهر المفارق لمّا كان بحسب الوجود العينيّ غير موجود لشيء آخر ، بل موجودا لذاته ، كان معقولا لذاته ، وإذا حصلت ماهيّته في عقل آخر صارت بهذا الاعتبار موجودة لشيء آخر وجودا ذهنيّا لا لذاته ، فلا جرم صارت معقولة لذلك الشيء الآخر لا لذاته ، وإذا لم يكن ذاته بهذا الاعتبار ـ أي باعتبار وجودها في ذلك العاقل ـ عاقلة لذاتها ، فكيف يعقلها ذلك العاقل عاقلة لذاتها بهذا الاعتبار؟!
ومحصّل القول : أنّ عالميّة الجوهر المجرّد لذاته عين وجوده لا عين ماهيّته ، فلا يلزم من ذلك أنّ من عقل ماهيّته عقلها عاقلة لذاتها إلاّ فيما يكون وجوده عين ماهيّته كالواجب تعالى ، لكن لمّا استحال ارتسام حقيقته تعالى في ذهن من الأذهان بالكنه ، لا يلزم من تعقّلنا له تعقّلنا عقله لذاته ، بل يحتاج إلى استيناف بيان وبرهان (٢).
__________________
(١) « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٦١.
(٢) « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : ٨٦.