واعترض بعضهم أيضا بأنّا نعلم بالضرورة أنّ كون الشيء عالما ينكشف له المعلومات حال خارجيّ مغاير لنفس حقيقة الأشياء ، فلا يكون نفس حقيقة العالم وحدها مصداقا لصدق العالم في علم شيء بنفسه ؛ فإنّ كلّ شيء في نفسه هو هو ، فلو تغيّر عمّا هو عليه في نفسه لاحتاج إلى مصداق آخر وراء ذاته ، فلا بدّ في كون الشيء عالما بنفسه ـ مثلا ـ من أمر آخر غير نفس ذاته يكون مصداقا لعالميّته ، فلا يكون العلم بالشيء نفس حصول ذلك الشيء فقط.
وأجيب بأنّ كون الشيء عالما خارجيا في علم الشيء بنفسه ممنوع ، فيجوز أن يكون نفس حقيقة الشيء مصداقا لكونه عالما بنفسه من غير أن يحتاج إلى مصداق مغاير لنفسه ؛ لأنّ صدق المفهومات المتغايرة على ذات واحدة لا يستدعي تغاير المصداقات إلاّ إذا استلزم ذلك الصدق تغيّرا خارجيّا في الذات ، والتغيّر الخارجيّ فيما نحن فيه ـ وهو علم الشيء بنفسه ـ ممنوع.
ولو سلّم فإنّما نسلّم في علم الشيء بغيره بعد ما لم يكن في حدّ ذاته كذلك.
[ المبحث ] الثاني : قد اتّفقوا على أنّ المعتبر في كون الشيء معقولا تجرّده عن المادّة فقط ، وفي كونه عاقلا تجرّده عن المادّة وكونه قائما بذاته معا ؛ لأنّ ما لا يكون قائما بذاته يكون حاصلا لغيره لا حاصلا لنفسه ، وما لا يكون حاصلا لنفسه فكيف يكون شيء آخر حاصلا له؟! وحقيقة العلم إنّما هو حصول شيء لشيء كما مرّ غير مرّة ، فلا يجوز كون شيء من الصور والأعراض عاقلا ، ولا يلزم كون المادّة ـ لكونها قائمة بذاتها ـ عاقلة ؛ لأنّ مرادهم من القائم بذاته أن يكون موجودا بالفعل وقائما بذاته ، ووجود المادّة في حدّ ذاتها ليس بالفعل ، بل بالقوّة ؛ فإنّ فعليّة المادّة إنّما هي بالصورة المقيمة لها لا بذاتها.
وما قيل ـ من أنّه لو كان حقيقة العلم هو الحصول ، لكان كلّ جماد عالما ؛ إذ ما من جماد إلاّ وقد حصل ماهيّته له والمعلوم من كلّ شيء إنّما هو ماهيّته ـ