فمندفع بأنّ الصور الجماديّة لمّا كانت قائمة بموادّها فماهيّتها كانت حاصلة لموادّها ، لا لأنفسها على ما مرّ.
وأيضا ما هو شرط في المعقوليّة ـ أعني التجرّد عن المادّة ـ مفقود في الصور الجماديّة ؛ لكونها مقارنة لموادّها.
[ المبحث ] الثالث : قد تلخّص من تضاعيف ما ذكرنا أنّ حقيقة العلم هي حصول مجرّد لمجرّد قائم بذاته ، وذلك الحصول يتصوّر على أنحاء ثلاثة :
أحدها : حصول الشيء بنفس ذاته العينيّة لشيء مستقلّ في الوجود بالفعل قائم بذاته حصولا حقيقيّا كحصول المعلول بحسب وجوده العينيّ لعلّته.
وثانيها : أن يكون ذلك الحصول حصولا حكميّا لا حقيقيّا كحصول ذات المجرّد لنفس ذاته ولا شكّ في كونه حكميا راجعا إلى كون ذات المجرّد غير فاقدة لذاتها.
وهذان القسمان هما المراد (١) بالعلم الحضوريّ ، وبهذا الاعتبار قيل : العلم هو حضور الشيء لمجرّد ، أو عدم غيبة شيء عن مجرّد.
وثالثها : حصول شيء بصورته وماهيّته ـ لا بنفس حقيقته العينيّة ـ لمجرّد قائم بذاته ، وهذا هو المسمّى بالعلم الحصوليّ المفسّر بحصول صورة الشيء في العقل. ولا شكّ عند الحكماء والمحقّقين في كفاية كلّ واحد من النحوين الأخيرين من الحصول لتحقّق العلم ، ولذلك اتّفقوا على أنّ علم العاقل بذاته إنّما هو عين ذاته ، وأنّ علمه بغيره هو بحصول صورته في العقل.
وأمّا أنّه هل يكفي النحو الأوّل من الحصول أيضا لتحقّق العلم؟ فلم يشتهر من الفلاسفة قبل صاحب الإشراق ما يدلّ على ذلك ، بل هو أوّل من صرّح (٢) به وتبعه المصنّف وجماعة من المتأخّرين ، ومنعه جماعة أخرى منهم (٣) ، وقد مرّ في كلام
__________________
(١) كذا ، والأصحّ : « المرادان ».
(٢) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٠.
(٣) راجع « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٣٠.