في العالم ، لزم أن يكون كلّ أحد عالما بكلّ موجود يكون موجودا معه وفي زمانه ؛ إذ نسبته إلى كلّ موجود كذلك على السواء فيما له مدخل في العلم.
وما ذكره المعترض من علاقة العلّيّة والمعلوليّة لا مدخل لها في العلم أصلا ؛ إذ ليست هي ممّا يوجب حصول أحدهما للآخر حقيقة ؛ لما عرفت ممّا ذكرناه في المبحث السابق ، بل تلك العلاقة ممّا يوجب المعيّة في الوجود فقط في الحقيقة ، فلو كانت معيّة شيء مع شيء في الوجود حصولا لأحدهما عند الآخر ، لكان كلّ موجود حاصلا لكلّ موجود يكون موجودا معه وفي زمانه وكان معلوما له. هكذا يجب أن يفهم كلام الأعلام ، والله تعالى هو وليّ الفضل والإنعام.
[ المبحث ] الخامس : الظاهر ـ بل التحقيق ـ أنّ النفس الناطقة تدرك بدنها الجزئيّ وسائر آلاتها الجزئيّة بالقوّة المتخيّلة ، وكذا المتخيّلة تدرك نفسها ، ولا يلزم اجتماع المثلين في محلّها ؛ لأنّ الصور المتخيّلة ، بل الحسّيّة مطلقا إنّما هي أشباح وأمثلة للجزئيّات ، وليست حقائق لها ؛ فإنّ إدراك الحقائق شأن العقل لا الحسّ.
وبالجملة ، فهذا الاحتمال قادح في كون علم النفس بهذه الأمور بالمشاهدة الحضوريّة وجعل ذلك طريقا إلى العلم الحضوريّ للواجب بأعيان الموجودات على ما نقله صاحب الإشراق في خلسته عن إمام المشّائين (١) ، وهذا دليل على عدم الاعتماد على مجرّد الكشف الذي يدّعيه أرباب المجاهدات إلاّ ما ساعده البرهان ، وفي ذلك غنى عن ارتكاب تلك المخاطرات.
وبما ذكرنا ظهر ضعف ما زعمه الإشراقيّون من كون سائر الحيوانات ذوات نفوس مجرّدة (٢) بناء على أنّ مدار إدراك الشيء لنفسه على التجرّد ، وأنّها مدركة
__________________
(١) انظر « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٧٠ ـ ٧٣.
(٢) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٧. وانظر « الأسفار الأربعة » ٨ : ٤٢ ـ ٥٣ و ٢٣٠ ـ ٢٤١.