لأنفسها ، وذلك لأنّ إدراك الشيء لنفسه ـ إذا كان بنفسه لا بحصول صورة ـ يستلزم التجرّد ، ولعلّ نفوس الحيوانات يدركون أنفسهم بحصول صورها في محلّ تلك النفوس كالمتخيّلة.
قال الشيخ رحمهالله في التعليقات : نفوس الحيوانات غير الإنسان ليست مجرّدة وهي لا تعقل ذواتها ؛ فإنّها إذا أدركت ذواتها فإنّها تدركها بقوّتها الوهميّة ، فلا تكون معقولة ، والوهم لها بمنزلة العقل من الإنسان (١). انتهى.
[ المبحث ] السادس : نفى صاحب الإشراق العلم المقدّم على الإيجادات كلّها ، وأبطل العناية رأسا ؛ زعما أنّ قبل كون الموجودات ووجودها ذهنا وخارجا كيف يتصوّر تحقّق العلم بها؟! فإنّ العلم بها لا يتصوّر بدون وجودها ذهنا أو خارجا ؛ ضرورة عدم تمايز المعدومات الصرفة ، ولا يمكن وجود الموجودات قبل وجودها ، أمّا خارجا ، فظاهر. وأمّا ذهنا ، فللزوم الكثرة في ذاته تعالى ، فليس للواجب علم فعليّ أصلا (٢). تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وذلك قادح في كون فعله تعالى اختياريّا ؛ إذ لا بدّ في الفعل الاختياريّ من مسبوقيّته بالعلم ولا يكفي مجرّد مقارنته للعلم.
وما قيل : إنّ الفعل الإراديّ غير منفكّ عن العلم بالمراد ؛ وأمّا وجوب السبق ، فممنوع ، بل هو مثل ما يدّعي المتكلّمون أنّ الإرادة يجب أن تكون سابقة على المراد سبقا زمانيّا ، وأنّه غير مسلّم منهم ، غاية الأمر أنّ وجوب السبق الذاتيّ في الإرادة مسلّم دون العلم ، بل مقارنة الشعور والعلم للفعل الناشئة من نفس الفاعل كافية في كونه إراديّا. ففيه تأمّل ، ومع ذلك يرد عليه ما يأتي.
وكذا ما قيل : إنّ وجود المعلول في الخارج وإن كان هو عين العلم بالذات ، لكنّه يغايره بالاعتبار ، فهو من حيث إنّه علم مقدّم وسبب له من حيث كونه موجودا في
__________________
(١) « التعليقات » : ٨٢.
(٢) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٠ ـ ١٥٣.