لكنّ العلم الإجماليّ بهذا المعنى ـ أعني التمكّن من الاستحضار ـ إنّما هو الحالة الثانية لا الثالثة وهو ليس بجيّد ؛ لمقارنة القوّة ، فتدبّر.
[ المبحث ] السابع : قد ظنّ جماعة كالمحقّق الدواني في بعض رسائله وصاحب القبسات وغيرهما (١) : أنّ نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كآن واحد ، كما أنّ نسبة جميع الأمكنة إليه كأين واحد بمعنى أنّ أعيان الموجودات الزمانيّة ـ قديمة أو حادثة ـ حاضرة عنده تعالى دفعة بلا اختلاف في القبليّة والبعديّة والمعيّة والمضيّ والحال والاستقبال ؛ لكونه بريئا عن الوقوع في شيء من الأزمنة كبراءته عن الوقوع في شيء من الأمكنة ، بل هو محيط بقاطبة الزمانيّات والمكانيّات إحاطة واحدة ، وإنّما ذلك الاختلاف لها بقياس بعض (٢) إلى بعض وفيما بينها ، لا بالقياس إلى الحضور عنده تعالى والغيبة عنه ، ومثّلوا ذلك بخيط مختلف الأجزاء بالسود والبيض ؛ فإنّه إذا نظر إليه الإنسان مثلا يلاحظ مجموع تلك الأجزاء المختلفة الألوان دفعة واحدة ، ويرى الجزء الأسود في موضعه والأبيض في موضعه كليهما معا وفي آن واحد ، بخلاف الحيوان الضيّق الحدقة كالنملة ؛ فإنّه يرى كلّ جزء يصل إليه في آن وصوله ، ولا يرى الجزء الذي بعده أو قبله في هذا الآن بل في آن هو بعد ذلك الآن أو قبله ، وهذا الظنّ لعلّه متوهّم من كلام المصنّف في شرح رسالة العلم (٣) كما سننقله في بيان كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات المتغيّرة وسنبيّن حقيقة الأمر فيه.
وهو منظور فيه ؛ لأنّ نسبة الزمانيّات إلى الزمان لا يجب أن تكون بانطباق فقط ، وإلاّ لم يكن الأجسام ـ التي في زمان ولا يعرض لها التغيّر ـ زمانيّة ، بل تلك النسبة
__________________
(١) انظر « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ١١٦ ـ ١٢٠ ؛ « القبسات » : ٣ و ١٥٩ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ٥٠ ـ ٥٢ و ٣ : ٤٠٧ ـ ٤١٧ ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : ٢٠٣.
(٢) في « شوارق الإلهام » : « بعضها ».
(٣) « شرح مسألة العلم » : ٣٨ ـ ٤١.