الحاضر عند الشيء حاضر عنده أيضا. هذا هو المصرّح به في كتبهم ، كما لا يخفى على من تتبّعها.
ثمّ إنّه يمكن أن يتصوّر هذا المظنون على وجهين :
أحدهما : أن يكون القدماء بالنسبة إليه تعالى كالحوادث في تخلّل الانفكاك بينهما وإن كان بلا تقدّر (١).
وثانيهما : أن يكون الحوادث كالقدماء في عدم الانفكاك.
وإلى الأوّل نظر صاحب القبسات (٢) ، وبنى عليه حدوث العالم وسمّاه حدوثا دهريّا.
وبالنظر إلى الثاني قيل عليهم : إنّه لو كان كذلك ، لزم قدم الحوادث. وليس شيء منهما بشيء ؛ لكون كلّ منهما منقدحا بالآخر ، كما لا يخفى على المتدبّر.
[ المبحث ] الثامن : الحضور حقيقة إنّما يتحقّق لمادّي عند مادّي ، فلو كان لهذا المادّي الثاني ارتباط بمجرّد ارتباط الآلة بذي الآلة يتحقّق الحضور بالنسبة إلى ذلك المجرّد أيضا.
وأمّا حضور المادّي عند المجرّد المتبرّئ عن الآلة فممّا يتنفّر عنه العقل الصريح فضلا عن أن يتحقّقه.
وإذا عرفت هذا عرفت معنى ما نقلناه عن الشيخ من قوله : لا تظنّنّ أنّ الإضافة العقليّة إليها إضافة إليها كيف وجدت ، وإلاّ لكان كلّ مبدأ صورة في مادّة ـ من شأن تلك الصورة أن تعقل بتدبير ما من تجريد وغيره ـ يكون هو عقلا بالفعل ، بل هذه الإضافة إليها وهي ـ بحال ـ معقولة (٣).
وأمّا قوله بعد ذلك : ولو كانت من حيث وجودها في الأعيان لكان إنّما يعقل
__________________
(١) في « شوارق الإلهام » : « بلا تصوّر ».
(٢) « القبسات » : ٣ وما بعدها.
(٣) « الشفاء » الإلهيات : ٣٦٤ ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.