بحقيقة واحدة مباينة لجميعها وإن لم يتميّز بعضها عن بعض؟! ويشتركان مع سابقهما في أنّ نسبة العلم الإجماليّ إلى جميع الموجودات على السواء ، فلا يترجّح صدور واحد دون آخر ، فلا يكون الصدور عن علم كما مرّ.
هذا آخر ما أردناه من إيراد المباحث المتعلّقة بهذا المقام ، وتلك عشرة كاملة في ذاتها ، مكمّلة للمرام ، وهو تعالى وليّ الفضل والإنعام.
تكميل عرشيّ
قد عرفت في تضاعيف ما ذكرنا في مباحث الوجود من الأمور العامّة من تحقيق مذهب الحكماء في حقيقة الوجود أنّ للوجود أفرادا حقيقيّة ، وأنّها حقائق مختلفة بالشدّة والضعف ، متّحدة مع الماهيّات في الخارج ، وزائدة عليها بحسب العقل فقط ، لا كما يقوله المتأخّرون من أنّ الوجود مفهوم مصدري اعتباري لا حقيقة له في الخارج ، وأنّ الماهيّة المتحقّقة في الخارج باعتبار صدورها عن الجاعل ونسبتها إليه وارتباطها به منشأ لانتزاع هذا المفهوم الاعتباري ؛ لئلاّ يلزم كونه اعتباريا محضا غير مطابق لما في نفس الأمر (١) ، ولا كما قاله الأشعريّ من كون الوجود مرادفا للماهيّة وعينا لها عينا وذهنا غير زائد عليها حقيقة ومفهوما (٢) ، ولا كما نسبه صاحب الإشراق إلى المشّائين من كون الوجود زائدا على الماهيّة في الخارج قائما بها كالسواد والبياض (٣) ؛ لفساد كلّ من هذه الثلاثة :
أمّا فساد الأخيرين فهو ظاهر ، ومع ظهوره مفروغ عنه في مقامه ، وقد مرّ في الكتاب مستقصى هناك.
وأمّا الأوّل فلما أومأنا إليه هناك غير مرّة.
__________________
(١) هذا القول للسهرورديّ وأتباعه. انظر « شرح حكمة الإشراق » لقطب الدين الشيرازيّ : ١٨٥ ـ ١٩١ ؛ « التلويحات » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٩ و ٤١١ ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ١٠ ـ ١١.
(٢) « المباحث المشرقيّة » ١ : ١٣٠.
(٣) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ٦٥ ـ ٦٦.