فقال : وأمّا كيفيّة ذلك ، فلأنّه إذا عقل ذاته ، وعقل أنّه مبدأ كلّ موجود ، عقل أوائل الموجودات عنه وما يتولّد عنها ، ولا شيء من الأشياء يوجد إلاّ وقد صار من جهة ما يكون (١) واجبا بسببه وقد بيّنّا هذا ، فتكون هذه الأسباب تتأدّى بمصادماتها إلى أن توجد عنها الأمور الجزئيّة ، فالأوّل يعلم الأسباب ومطابقاتها ، فيعلم ضرورة ما يتأدّى إليها ، وما بينها من الأزمنة ، وما لها من العودات ؛ لأنّه ليس يمكن أن يعلم تلك ولا يعلم هذا ، فيكون مدركا للأمور الجزئيّة من حيث هي كلّيّة ، أعني من حيث لها صفات. وإن تخصّصت بها شخصا ، فبالإضافة إلى زمان متشخّص ، أو حال متشخّصة لو أخذت تلك الحال بصفاتها ، كانت أيضا بمنزلتها ، لكنّها تستند إلى مبادئ ، كلّ واحد منها نوعه في شخصه ، فيستند (٢) إلى أمور شخصيّة ، وقد قلنا : إنّ مثل هذا الاستناد قد يحصل للشخصيّات رسما ووضعا (٣) مقصورا عليها (٤) و (٥).
ثمّ أورد لذلك مثالا ، فقال :
« كما أنّك تعلم حركات السماويّات كلّها ؛ فأنت تعلم كلّ كسوف وكلّ اتّصال وكلّ انفصال جزئيّ يكون ، بعينه ، ولكنّه على نحو كلّيّ ؛ لأنّك تقول في كسوف ما : إنّه كسوف يكون بعد زمان حركة يكون لكذا من كذا شماليّا نصفيّا ينفصل القمر منه إلى مقابله كذا ، ويكون بينه وبين كسوف مثله سابق له أو متأخّر عنه مدّة كذا ، وكذلك بين حال الكسوفين الآخرين حتّى (٦) لا تقدّر عارضا من عوارض تلك الكسوفات إلاّ علمته ، ولكنّك علمته كلّيّا ؛ لأنّ هذا المعنى يجوز أن يحمل على كسوفات كثيرة كلّ واحد منها يكون حاله تلك الحال ، لكنّك تعلم بحجّة ما أنّ ذلك
__________________
(١) كلمة « يكون » ليست في « الشفاء ».
(٢) كذا ، والأولى : « تستند ».
(٣) في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « رسما ووصفا ».
(٤) في الطبعة الحجريّة من « الشفاء » : « مقصودا عليها ».
(٥) « الشفاء » الإلهيّات : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.
(٦) في « شوارق الإلهام » : « حتّى لا نتصوّر ».