تجب بأسبابها منسوبة إلى مبدأ نوعه (١) في شخصه يتخصّص (٢) به كالكسوف الجزئي ؛ فإنّه يعقل وقوعه بسبب توافي أسبابه الجزئيّة وإحاطتها بها ، ويعقلها ، كما يعقل الكلّيّات (٣) ، وذلك غير الإدراك الجزئيّ الزمانيّ لها الذي يحكم أنّه وقع الآن أو قبله ، أو يقع بعده ، بل مثل أن يعقل أنّ كسوفا جزئيا يعرض عند حصول القمر وهو جزئيّ ما ، في وقت كذا وهو جزئيّ ما ، في مقابلة كذا ، ثمّ ربما وقع ذلك الكسوف ولم يكن عند العاقل إحاطة بأنّه وقع أو لم يقع وإن كان معقولا له على النحو الأوّل ؛ لأنّ هذا إدراك آخر جزئيّ يحدث مع حدوث المدرك ويزول مع زواله ، وذلك الأوّل يكون ثابتا الدهر كلّه وإن كان علما بجزئيّ ؛ فإنّ العاقل يغفل أنّه بين كون القمر في موضع كذا وبين كونه في موضع كذا يكون كسوف معيّن في وقت من زمان أوّل الحالين محدود عقله (٤) ، وذلك أمر ثابت قبل كون الكسوف ومعه وبعده (٥).
ثمّ قسّم الصفات للأشياء ، ومحصّل القسمة أنّ من الصفة ما يتغيّر بتغيّرها الموصوف ، ومنها ما لا يتغيّر بتغيّرها الموصوف ، فالثاني لا يكون متقرّرا في ذات الموصوف مثل كونك يمينا وشمالا ، والأوّل يكون متقرّرا في ذات الموصوف ، وهذه إمّا أن لا يلزمها إضافة إلى غير الموصوف وهي الصفة الحقيقيّة المحضة مثل السواد والبياض ، وإمّا أن يلزمها إضافة إلى غيره. وهذه على قسمين : ما لا يتغيّر بتغيّر المضاف إليه ، وما يتغيّر بتغيّره.
فالأوّل كالقدرة ؛ فإنّها هيئة ما للذات ، بسببها يصحّ أن يصدر عن تلك الذات فعل
__________________
(١) أي ينحصر في شخصه.
(٢) في المصدر : « يتشخّص ».
(٣) في المصدر : « وإحاطته بها وتعقّلها كما تعقل الكلّيّات ». وفي « الإشارات والتنبيهات » : « وإحاطة العقل بها أو تعقّلها كما تعقل الكلّيات ».
(٤) في « الإشارات والتنبيهات » : « ذلك » بدل « وذلك ».
(٥) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.