فالشيء إذا كان معلوما ثمّ يصير لا معلوما فلحالة تتغيّر في العالم لا لنفس الإضافة مطلقة ، فواجب الوجود لو كان علمه زمانيّا ـ أعني زمانا مشارا إليه حتّى يعلم أنّ الشيء الفلانيّ في هذا الوقت غير موجود وغدا يكون موجودا ـ كان علمه متغيّرا ؛ فإنّه كما أنّ هذا الشيء غير موجود الآن ويصير موجودا غدا كذلك العالم به إمّا أن يعلمه كذلك فيكون متغيّرا ، وإمّا أن يكون علمه غدا كعلمه في هذا اليوم فلا يكون علما ؛ فإنّه يكون محالا ، أو لا يكون علمه غدا كعلمه في هذا اليوم بل قد يتغيّر.
وأمّا أنّه كيف يكون علمه فهو أن يكون بسبب ، أعني أن يكون يعرف الموجودات كلّها على وجه كلّيّ ، وإذا كانت الأشياء كلّها واجبة عنده إلى أقصى الوجود ، فإنّه يعرفها كلّها ؛ إذ كلّها من لوازمه ولوازم لوازمه ، وإذا علم أنّه كلّما كان كذا ، كان كذا أعني جزئيا آخر ، ويكون هذه الجزئيّات مطابقة لهذا الحكم ، يكون قد عرف الجزئيّات على الوجه الكلّيّ الذي لا يتغيّر ، الذي يمكن أن يتناول أيّ جزئيّ كان ، لا هذا المشار إليه (١).
ثمّ قال : ومثال هذا أنّ منجّما يعلم أنّ الكوكب الفلانيّ كان أوّلا في الدرجة الفلانيّة فصار إلى الدرجة الفلانيّة ، ثمّ بعد كذا ساعة قارن الكوكب الفلانيّ ، ثمّ دخل بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ بقي بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ فارق الشمس وانجلى ، وقد يكون قد عرف كلّ ذلك بأسبابه ، ولا يكون قد عرف أنّ هذا الكوكب في هذه الساعة في الدرجة الفلانيّة حتّى يكون الساعات التي بعدها مستندة إلى هذه المشار إليها ، ويتغيّر علمه بحسب تغيّر الأحوال وتجدّدها ، فإذا عرف على الوجه الذي ذكرناه ـ أعني بالسبب ـ كان حكمه في اليوم وغدا وأمس حكما واحدا والعلم لا يتغيّر ؛ فإنّه صحيح « دائما في هذا الوقت وفيما قبله وفيما بعده أنّ الكوكب الفلانيّ كذا ساعة يقارن الكوكب الفلانيّ.
__________________
(١) « التعليقات » : ١٣ ـ ١٤.