الكلّيّ ، فلا يمكن إلاّ بالعقل ، والمدرك بهذا الإدراك يمكن أن لا يكون موضوعا للتغيّر ، فإذن الواجب الأوّل وكلّ ما لا يكون موضوعا للتغيّر ، بل كلّ ما هو عاقل يمتنع أن يدركها من جهة ما هو عاقل على الوجه الأوّل ، ويجب أن يدركها على الوجه الثاني (١). انتهى كلام شرح الإشارات.
وأنت بما نبّهنا عليه خبير بما فيه. هذا تصحيح العلم بالجزئيّات المتغيّرة على القول بارتسام الصور في ذاته تعالى بالمعنى الذي حقّقناه.
وأمّا تصحيحه على القول بالعلم الحضوريّ ، فواضح ؛ فإنّه لمّا لم يكن العلم مستدعيا لارتسام الصور في ذاته تعالى ، لم يكن تغيّر المعلوم موجبا لتغيّر ما هو صفة حقيقيّة له تعالى ، بل يتغيّر إضافة بينه وبين معلومه وهو جائز اتّفاقا.
وإلى هذا أشار المصنّف ـ قدسسره ـ بقوله : ( وتغيّر الإضافات ممكن ).
وقال في شرح رسالة العلم : وأمّا علم البارئ بالجزئيّات ، ففيه خلاف بين المتكلّمين والفلاسفة ؛ وذلك أنّ المتكلّمين قالوا : إنّ البارئ تعالى يعلم الحادث اليوميّ على الوجه الذي يعلم أحدنا أنّه موجود في هذا الوقت ولم يكن موجودا قبله ويمكن أن يوجد بعده أو لا يمكن ، ثمّ إذا تنبّهوا بوجوب تغيّر العلم بالمتغيّرات حسب تغيّرها ، التزم بعضهم جواز التغيّر في صفات الله تعالى ، أو في بعضها ، فقال القائلون بالإضافات فقط : إنّ تغيّر الإضافات في الله تعالى جائز عند جميع العقلاء كالخالقيّة والرازقيّة والإضافة إلى كلّ شخص.
وقال غيرهم : يجوز أن يكون ذاته محلاّ للحوادث كما جوّز طائفة من الحكماء كونه محلاّ للحوادث ، قابلا لصور المعلومات غير المتغيّرة. ومن لم يجوّز التغيّر في صفاته تعالى ، عاند في هذا الموضع ، وأنكر التغيّر أصلا وقال : العلم بما سيوجد هو العلم بوجوده حين وجوده » إلى أمثال ذلك من التمسّكات الواهية.
__________________
(١) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٣١٦.