فلوازم ذاته ـ أعني المعلومات ـ لم يعلمها ، ثمّ رضي بها ، بل لمّا كان صدورها عن مقتضى ذاته ، كان نفس صدورها عنه رضاه بها ، فإذا لم يكن صدورها عنه منافيا لذاته ، بل مناسب لذات الفاعل ، وكلّ ما كان غير مناف وكان مع ذلك يعلم الفاعل أنّه فاعله ، فهو مراده ؛ لأنّه مناسب له ، فنقول : هذه المعلومات صدرت عن مقتضى ذات الواجب الوجود بذاته المعشوقة له مع علم منه بأنّه فاعلها وعلّتها ، وكلّ ما صدر عن شيء على هذه الصفة فهو غير مناف لذلك الفاعل ، وكلّ فعل يصدر عن فاعل ـ وهو غير مناف له ـ فهو مراده.
فإذن الأشياء كلّها مرادة لواجب الوجود. وهذا هو المراد الخالي عن الغرض ؛ لأنّ الغرض في رضاه بصدور تلك الأشياء عنه أنّه مقتضى ذاته المعشوقة ، فيكون رضاه بتلك الأشياء لأجل ذاته ، فيكون الغاية في فعله ذاته.
ومثال هذا إذا أحببت شيئا لأجل إنسان ، كان المحبوب بالحقيقة ذلك الإنسان ، فكذلك المعشوق المطلق هو ذاته.
ومثال الإرادة فينا أنّا نريد شيئا فنشتاقه ؛ لأنّا محتاجون إليه ، وواجب الوجود يريده على الوجه الذي ذكرنا ، ولكنّه لا يشتاق إليه ؛ لأنّه غنيّ عنه ، فالغرض لا يكون إلاّ مع الشوق ؛ فإنّه يقال : لم طلب هذا؟ فيقال : لأنّه يشتاقه ، وحيث لا يكون الشوق لا يكون الغرض. انتهى.
وهذا الذي نقلناه من هذه الرسالة ذكره بعينه في التعليقات أيضا (١).
وقال أيضا في التعليقات : والعناية هي أن يعقل الواجب الوجود بذاته أنّ الإنسان كيف يجب أن تكون أعضاؤه ، والسماء كيف يجب أن تكون حركتها ليكونا فاضلين ، ويكون نظام الخير فيهما موجودا من دون أن يتبع هذا العلم الشوق ، أو غرض آخر سوى علمه بما ذكرناه مع موافقة معلومه لذاته المعشوقة له ؛ فإنّ الغرض وبالجملة ،
__________________
(١) « التعليقات » : ١٦ ـ ١٧ ، مع الاختلاف في بعض العبارات.