النظر إلى أسفل ، أعني (١) لو خلق الخلق طلبا لغرض ، أعني أن يكون غرض الخلق أو الكمالات الموجودة في الخلق ـ أعني ما يتبع الخلق ـ طلب كمال ، لم يكن لو لم يخلق. وهذا لا يليق بما هو واجب الوجود من جميع جهاته.
فإن قال قائل : إنّا قد نفعل أفعالا بلا غرض ولا يكون لنا فيها نفع كالإحسان إلى إنسان من دون أن يكون لنا فيه فائدة ، فكذلك يصحّ أن يكون واجب الوجود يخلق الخلق لأجل الخلق لا لغرض آخر كما نحسن إلى إنسان ما.
قلنا : إنّ مثل هذا الفعل لا يخلو عن غرض ؛ فإنّا نريد الخير بالغير ليكون لنا اسم حسن ، أو ثواب أو شيء هو أولى بأن يكون لنا من أن لا يكون (٢). انتهى.
وقال في الرسالة : إنّ الغرض ـ أعني الغاية ـ هو السبب في أن يصير الفاعل فاعلا بعد أن لم يكن ، فلا يجوز أن يكون لواجب الوجود بذاته ـ الذي هو تامّ ـ أمر يجعله على صفة لم يكن عليها ؛ فإنّه يكون ناقصا عن تلك الجهة. وتلك الصفة إمّا أن تكون فضيلة أو نقصانا ، وعلى جميع الأحوال فإنّ ذلك لا يليق به لا النقصان ولا التكميل.
ثمّ قال : وقد عرفت إرادة واجب الوجود بذاته ، وأنّها بعينها علمه وهو بعينه عنايته ، وأنّ هذه الإرادة غير حادثة ، وبيّنّا أنّ منّا أيضا إرادة على هذا الوجه. انتهى.
إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الأشبه أنّ مراد محقّقي المعتزلة من كون الإرادة عين الداعي الذي هو العلم بالأصلح إنّما هو الذي ذهب إليه الفلاسفة على ما ذكرنا (٣) ، فيكون الواجب تعالى عندهم أيضا فاعلا بالعناية [ بالمعنى ] (٤) وإن لم يقولوا به
__________________
(١) أي لو خلق الخلق طلبا لغرض لكان النظر إلى أسفل. وكلمة « أعني » الثانية تفسير لـ « الغرض ». وكلمة « أعني » الثالثة تفسير للكمالات.
(٢) « التعليقات » : ١٨.
(٣) راجع ص ٢٥٩ من هذا الجزء.
(٤) ليست في « شوارق الإلهام ».